Tafsir Sadr al-Muta'allihin
تفسير صدر المتألهين
Nau'ikan
وبالنسبة الى المنافقين الذين لهم استعداد الكمال واستعداد النقص وإن كان أليما لإدراكهم الكمال وعدم إمكان وصولهم إليه، ولكن لما كان استعداد نقصهم أغلب؛ رضوا بنقصانهم، وزال عنهم تألمهم بعد انتقام المنتقم منهم بتعذيبهم، وانقلب العذاب عذبا، كما يشاهد ممن لا يرضى بأمر خسيس أولا، ثم إذا وقع فيه وابتلي به وتكرر صدوره منه، تألف به واعتاد فصار يفتخر به بعد أن كان يستقبحه.
وبالنسبة الى المشركين الذين يعبدون غير الله من الموجودات، فينتقم منهم لكونهم حصروا الحق في ما عبدوه، وجعلوا الإله المطلق مقيدا، وأما من حيث ان معبودهم عين الوجود الحق الظاهر في تلك الصورة، فما يعبدون إلا الله، فرضي الله عنهم من هذا الوجه، فينقلب عذابهم عذبا في حقهم.
وبالنسبة الى الكافرين أيضا، وإن كان العذاب عظيما، لكنهم لم يتعذبوا به لرضاهم بما [هم] فيه، فإن استعدادهم يطلب ذلك كالأتوني الذي يفتخر بما هو فيه، وعظم عذابه بالنسبة الى من يعرف ان وراء مرتبتهم مرتبة، وان ما هم فيه عذاب بالنسبة إليها.
وأنواع العذاب غير مخلد على أهله من حيث إنه عذاب، لانقطاعه بشفاعة الشافعين، وآخر من يشفع هو أرحم الراحمين، كما جاء في الحديث الصحيح، ولذلك ينبت الجرجير في قعر جهنم لانطفاء النار وانقطاع العذاب، وبمقتضى " سبقت رحمتي غضبي " فظاهر الآيات التي جاءت في حقهم بالتعذيب، كلها حق، وكلام الشيخ لا ينافي ذلك، لأن كون الشيء من وجه عذابا لا ينافي كونه من وجه آخر عذبا. وإنما بسطت الكلام لئلا ينكر على هذا الخاتم المحمدي فيما أخبر، فإن الأولياء - رضوان الله عليهم - ما يخبرون إلا ما يشاهدونه يقينا من أحوال الاستعدادات في الحضرة العلمية، وعوالم الأرواح والأجساد، لعلمهم بالحقائق وصورها في كل عالم. والله أعلم " انتهى كلامه بألفاظه.
ومما يدل أيضا على نفي تسرمد العذاب، حديث: سيأتي على جهنم زمان ينبت في قعرها الجرجير، وذكر البغوي المشهور بمحيي السنة، في معالم التنزيل، في تفسير قوله تعالى:
الذين سعدوا
[هود:108] أنه قال ابن مسعود: ليأتين على جهنم زمان ليس فيها أحد، وذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا.
فصل
[احتجاجات القائلين بالخلود في النار والنافين له]
واعلم أن القائلين بنفي تخليد الكفار في العذاب، زعموا أن لا دليل يفيد القطع واليقين في تخليدهم في العذاب، أما التمسك بالدلائل اللفظية، فلا يفيد اليقين، بل يفيد الظن. والدلائل العقلية في مقابلها تفيد اليقين، والمظنون كيف يعارض المقطوع؟ وإنما قلنا: " إن الدلائل اللفظية لا تفيد اليقين " لأنها مبنية على أصول كلها ظنية، والمبني على الظني لا يكون إلا ظنيا.
Shafi da ba'a sani ba