Tafsir Sadr al-Muta'allihin
تفسير صدر المتألهين
Nau'ikan
فايجاده تعالى كل موجود، هو الحمد بالمعنى المصدري، بمنزلة التكلم بالكلام الدال على الجميل، ونفس ذلك الموجود هو الحمد بالمعنى الحاصل بالمصدر؛ فإطلاق الحمد على كل موجود، صحيح بهذا المعنى، وكما ان كل موجود حمد، فهو حامد أيضا لاشتماله على مقوم عقلي وجوهر نطقي، كأرباب الأنواع وملائكة الطباع وغيرهم، كما تقرر في موضعه، ولذلك عبر في القرآن عن تلك الدلالة العقلية منه بالنطق في قوله تعالى:
أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء
[فصلت:21].
وكذلك جميع الموجودات من حيث نظامه الجملي حمد واحد وحامد واحد، لما قد ثبت ان الجميع بمنزلة إنسان واحد كبير له حقيقة واحدة وصورة واحدة وعقل واحد، وهو العقل الأول الذي هو صورة العالم وحقيقته، وهو الحقيقة التمامية المحمدية، فأجل مراتب الحمد وأعظمها هي المرتبة الختمية المحمدية القائمة بوجود الخاتم (ص) من حيث وصوله إلى المقام المحمود الموعود في قوله:
عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا
[الإسراء:79]. فذاته المقدسة أقصى مراتب الحمد التي حمد الله بها ذاته، ولذلك خص بلواء الحمد، وسمي بالحماد والأحمد والمحمود من مشتقات الحمد كما قيل.
ولا يخفى عليك، أن القول بأن حقيقته (صلى الله عليه وآله) أقصى مراتب الحمد، لا ينافي كونه بحسب وجوده العنصري أحد أجزاء العالم الكبير، من حيث ان دلالة جميع الموجودات على جميل صفات الله تعالى أقوى من دلالة موجود واحد هو جزء العالم عليه، وذلك لأن الإنسان الكامل له أطوار متفاوتة ونشآت متنوعة، فله (صلى الله عليه وآله) جميع المقامات والنشآت، ففي وقت ومقام له أن يقول:
إنمآ أنا بشر مثلكم
[الكهف:110]. وفي وقت ومقام له أن يقول: لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل. وقوله: من أطاعني فقد أطاع الله ومن أبغضني فقد أبغض الله.
وكونه أقصى مراتب الحمد إنما يتحقق في مقامه الجمعي الأخروي الذي هو المقام المحمود، ولهذا قال - كما روي عنه (صلى الله عليه وآله) - فيلهمني الله محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد.
Shafi da ba'a sani ba