246

Tafsir Sadr al-Muta'allihin

تفسير صدر المتألهين

Nau'ikan

أحدهما: طريقة أبي هاشم، وأبي علي الجبائي، والقاضي عبد الجبار: قالوا لمن قال: " لو وقع خلاف علم الله، لانقلب علمه جهلا " إنه قد أخطأ من قال: " إنه لانقلب علمه جهلا " ، وأخطأ أيضا من قال: " إن علمه لا ينقلب جهلا " ولكن يجب الإمساك عن القولين.

وثانيهما: طريق الكعبي، واختيار أبي الحسين البصري والمتأخرين منهم: ان العلم تبع للمعلوم، فإذا فرضت الواقع من العبد هو الايمان؛ عرفت أن الحاصل في الأزل لله تعالى العلم بالإيمان ومتى فرضت الواقع منه هو الكفر بدلا عن الإيمان؛ عرفت أن الحاصل في الأزل هو العلم بالكفر بدلا عن الإيمان، فهذا فرض علم بدلا من علم آخر، لا انه انقلاب في العلم وتغير له.

تبصرة مشرقية

[الجبر والتفويض]

إعلم أن مسألة الجبر والاختيار من المسائل العظيمة المهمة في الاسلام، وهي مما لم تتنقح بعد الى الآن بين جمهور أهل الكلام، مع أنهم صرفوا عمرهم في تحرير الدلائل والمناقضات، وتقدير المباحث والمناظرات، وتطويل الكلام وكثرة الرد والإحكام والنقض والإبرام، حتى صارت معارك للآراء ومصادم للأهواء، ولم يبق لأحد من الجانبين منزعة في كان فكره إلا ورماها الى صاحبه في ميدان المجادلة والمناظرة، ومع ذلك لم يأت أحد منهما بحاصل في الدين، ولم يظفر بطائل في سلوك طريق اليقين.

بل ما زادتهم هذه إلا استكبار وجحودا وعنادا، ولم تزدهم إلا نفرة عن الحق وبعادا، وذلك لاشتغالهم بالفروع عن الأصول، واهتمامهم عن الواجب المهم بالفضول، واستغراقهم في المجادلة بالرد والقبول، ولذلك حرموا عن الوصول، ومنعوا عن معاينة المعاني، لا بفكر ونظم قياسي، ويئسوا عن مشاهدة الحقائق لا باعتمال ونصب تعريف حدي أو رسمي، بل بأنوار شارقة متفاوتة، وإلهامات بارقة متتالية، تزيد في العمر والبقاء، وتطلق الروح عن المهوى، وتسلب النفس عن هذه القوى وترغبها عن الدنيا، وتسوقها الى العقبى، وتشوقها الى لقاء الرب تعالى.

واعلم أن أكثر أصحاب البحوث، قد تركوا وصية ربهم ونصيحة نبيهم سلام الله عليه وآله فيما أمروا، من تزكية نفوسهم، وتصفية بواطنهم، وإصلاح قلوبهم، وتعديل قواهم، وتهديب أخلاقهم، وتصقيل، مرآة قلوبهم لتتجلى فيها خبايا عالم الملكوت، وتنكشف لديها خفايا أسرار الجبروت، وادركوا الأشياء كما هي، كما وقع دعاء نبيهم (صلى الله عليه وآله) له ولأمته: " اللهم أرنا الأشياء كما هي ".

فرفضوا طريق الهداية والسعي في بلوغ النهاية، ولم يقرؤوا صحيفة الملكوت من كتابها، ولم يأتوا البيوت من أبوابها، فاغتروا من حقائق الدين بلوامع سرابها، وقنعوا فيه من أنوار وجوه الحكمة واليقين بظلمات نقابها، فاشتغلوا بما قد نهوا عنه بذكر عيوب بعضهم بعضا، وشنعة بعضهم على بعض، فصاروا فرقا ومذاهب وشيعا وأحزابا، كل حزب بما لديهم فرحون، وهم في العذاب مشتركون، إلا من آمن منهم بالله واليوم الآخر ببصيرة صافية عن غشاوة الشك والامتراء، وقلب فارغ عن مرض العناد والمراء.

ولما تركوا وصية ربهم، ونصيحة رسولهم، ونسوا يوم الآخرة، وركنوا الى الدنيا، توقدت بينهم نيران العداوة والبغضاء الى يوم القيامة، فيلعن بعضهم بعضا، ويكفر بعضهم بعضا، ويطعن بعضه على بعض، بحرقة في قلوبهم، وألم في نفوسهم، كما حكى الله عن أهل الجحيم بقوله:

كلما دخلت أمة لعنت أختها

Shafi da ba'a sani ba