122

Tafsir Sadr al-Muta'allihin

تفسير صدر المتألهين

Nau'ikan

[الروح البخاري مثال العماء]

ثم اعلم هداك الله طريق المعرفة والشهود، أن النفس الناطقة هي المدبرة باذن الله تدبيرا طبيعيا أو نفسانيا لهذا البدن الجسماني، الذي هو بجميع ما فيه من القوى والحواس والأعضاء والآلات، عالم صغير بمنزلة العالم الكبير بما فيه من الأفلاك والعناصر والبسائط والمركبات، الذي دبره الله تدبيرا إلهيا وتصرف فيه برحمته وعنايته.

ثم إن النفس لم تدبر لهذا البدن، ولم تتصرف في قواه وأعضائه، إلا بعد أن نزلت من علو تجردها وسماء تقدسها، وبرزت من مكمن ذاتها الروحانية، وباطن كينونتها العقلانية إلى عالم الحس والتجسم.

فتوسطت بين غيب هويتها ومظهر شهادتها، في ألطف ما يوجد من حدود عالم البدن من البخار اللطيف النفساني المتعلق بالقلب الصنوبري الشكل، المستدير الهيكل، المحدد لجهات البدن من أعلاه وأسفله.

فالنفس قبل تعلقها بالبدن وتصرفها فيه، وتدبيرها لقواه وحواسه التي هي كالسموات، وأعضائه التي هي كالأرضيات، نزلت وتجسمت بخارا لطيفا يتكون منه جميع لطائف البدن، وبسببه تقع الأفاعيل الإنسانية سيما المتكلم بالحروف والكلمات، التي هي أخص أفاعيل النفس الناطقة في هذا العالم.

وهذه اللطيفة البخارية، التي تنزل فيها النفس قبل تصرفها وفعلها في عالم البدن، مثال للعماء الذي جاء في الخبر وصفه بقوله: إنه كان ربنا قبل أن يخلق الخلق في عماء ما فوقه هواه وما تحته هواء.

فذكر ان له الفوق، وهو كون الحق فيه، والتحت، وهو كون العالم فيه.

والعماء يحدث عن بخار رطوبات الأركان الأربعة، والفلك أيضا دخان لطيف الطف من هذه الأبخرة الحاصلة من لطائف هذه العناصر، بل عناصره كائنة على وجه يناسب عالم السماء، وهي التي ينقسم بها الفلك أرباعا، مما يطول شرحه.

فالحاصل، إن العماء الذي ورد في الحديث، إن الله قبل أن يخلق، كان فيه مثاله اللطيفة الجسمانية الموجودة في خلقة الإنسان التي تعلقت بها اللطيفة القدسية النازلة فيها من نفخ الحق من روحه، وهي كلمة من كلمات الله، وينبعث منها النفس الهوائي المتصور بصور الحروف والكلمات الإنسانية المطابقة للحروف والكلمات الكائنة في النفس الرحماني والوجود الانبساطي، ليتحقق ويتنور على البصير المحدق بنور هذه المكاشفة البرهانية أن من عرف نفسه فقد عرف ربه.

فصل

Shafi da ba'a sani ba