Tafsir Sadr al-Muta'allihin
تفسير صدر المتألهين
Nau'ikan
ولما علمت أن قلب الإنسان - لمكان الروح الحيواني الذي هو سبب حياة البدن، - بمنزلة عرش الرحمن ومحل الرحمة، وان صدره الواسع - لمكان الروح الطبيعي الساري في جميع البدن أعلاه وأسفله - بمنزلة كرسيه الذي وسع السموات والأرض؛ فاعلم أن الله جعل للهواء الخارج من الصدر بعد نزوله إليه من القلب ثمانية وعشرين مقطعا للنفس، يظهر في كل مقطع حرفا معينا ما هو عين الآخر، ميزه القطع مع كونه ليس غير النفس.
فالعين واحدة من حيث إنها نفس، وكثيرة من حيث المقاطع، وهي أمور عدمية كما ان امتياز الوجودات الخاصة ليست بأمر زائد على حقيقة الوجود الانبساطي الفائض من الحق تعالى. بل امتيازها عنها، وامتياز بعضها عن بعض، ليس إلا من جهة مراتب النقصانات والتنزلات اللازمة للمعلولية، فليس التفاوت بينها إلا من جهة الكمال والنقص، والتقدم والتأخر، والقرب والبعد من العلة الأولى.
فكذلك حال الحروف الصوتية الإنسانية، المنقسمة إلى ثمانية وعشرين حرفا. لأن الكرسي، وهو فلك المنازل - ومثاله الصدر فينا - منقسم باعتبار المنازل والأمكنة للسيارات الفلكية - من الكواكب وأرواحها ونفوسها المتحركة بأمر الله، المترددة على حسب ما حملها الله من أحكام الوحي والرسالة الى خلقه - الى ثمانية وعشرين منزلا.
ولك أن تستشكل هذا بما قد ورد في الخبر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن المنزل عليه تسعة وعشرون حرفا، وما أنزل الله على آدم إلا تسعة وعشرين حرفا، وإن " لام ألف " حرف واحد قد أنزله الله عز وجل على آدم في صحيفة واحدة، ومعه ألف ملك، ومن كذب ولم يؤمن به فقد كفر بما أنزل الله على محمد (صلى الله عليه وآله)، ومن لم يؤمن بالحروف - وهي تسعة وعشرون فلا يخرج من النار أبدا.
فاعلم أن هذا غير مناقض لما ذكرنا، من كون الحروف ثمانية وعشرين، فإن الألف اللينة ليست كسائر الحروف متعينة بتعين خاص وحيز مخصوص ومخرج مشخص، بل هي بحقيقتها الهوائية سارية في جميع التعينات الحرفية، فكأنها ظل للوحدة الإلهية السارية في وحدات الأكوان الوجودية.
وقد مرت الإشارة إلى أنها عين النفس الإنساني، كالعقل الأول الذي مرتبته عين مرتبة الوجود الانبساطي المنبسط على هياكل الماهيات المتعينة، وهو الحق المخلوق به.
فللألف اعتباران: اعتبار اللاتعين، لكونها عين النفس الهوائي، واعتبار التعين الذي هو أول التعينات كالهمزة، فإنها من أقصى الحلق، إلا ان مخرج الهمزة كالهاء أول المخارج، ومخرج الألف الساكنة من الجوف وهو الفضاء الواقع في جهة العلو، وتغاير الحروف بتغاير المخارج.
ومن هذا الاعتبار يجب عد الألف المتحركة والساكنة حرفين، ولما كانت أسماء الحروف مصدرة بمسمياتها التي هي الزبر، وهذه القاعدة غير مطردة بالقياس إلى الألف لما فيه من سر الوحدة الإلهية التي لا اسم لها بخصوصية ذاتها، لاستحالة الابتداء بالساكن الحقيقي، فلم يكن بد من ارتدافها بحرف ينوب عن ذاتها سادا مسد التصدير بها.
وكانت " اللام " بحسب عددها - الذي هو بمنزلة روح الحرف - يساوي عدد الحروف كلها مع واحد، وكان فيها سر الجمعية الألفية، وأيضا كان عدد الحروف أعني التسعة والعشرين مقوم عدد لام، والألف الساكنة أيضا هي التاسعة والعشرون، كان ضم الألف إلى اللام هو الأحق بالاعتبار، فاعتبر " لا " في منزلة الألف اللينة، فجعل لام ألف اسما لها، والألف إسما للهمزة، فلا محالة صارت الحروف تسعة وعشرين.
ومن اعتبر الحروف ثمانية وعشرين - وهي عدد منازل القمر -، كان نظره إلى الحروف الصرفة المتعينة بالمخارج المتحيزة بالأمكنة من جهة قبولها للحركة والسكون، وهما من صفات الحدثان وسمات النقصان، والألف لسيت متحركة ولا ساكنة إلا بالمعنى السلبي التحصيلي، تقابل الحركة تقابل السلب والايجاب، لا تقابل العدم والملكة، فلا جرم جعل أمرا خارجا عن سلسلة الأكوان الحرفية، لأنها في الحقيقة فاعلها وراسمها ومقومها.
Shafi da ba'a sani ba