{ والذين هم لأماناتهم } ، قيل: ما يؤتمن المرء عليه كالوصايا والودائع والحكومات والعبادات ونحو ذلك لأن جميع ذلك اؤتمنوا عليها { وعهدهم } ما فرض عليهم { راعون } حافظون { والذين هم بشهادتهم قائمون } قيل: يقيمونها ولا يكتمونها ولا يعيرون لقرابة لحر يقع، قيل: أراد الشهادة بين الناس، وقيل: قائمون لحفظ ما شهدوا به من شهادة أن لا إله إلا الله { والذين هم على صلاتهم يحافظون } أي يحفظون أوقاتها وأركانها وسننها ولا يضيعون شيئا منها { أولئك } من تقدم صفتهم { في جنات مكرمون } معظمون بالثواب { فمال الذين كفروا قبلك مهطعين } الآية نزلت في المشركين كانوا يجتمعون حول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حلقا حلقا وفرقا فرقا يستمعون ويستهزئون بكلامك ويقولون إذا دخل هؤلاء الجنة كما زعم محمد فلندخلنها قبلهم فنزلت: { مهطعين } مسرعين نحوك مادي أعناقهم إليك مقبلين بأبصارهم عليك { عزين } فرقا شتى جمع عزة والأقرب أنهم كانوا أهل مكة، وقيل: مسرعين إليك كانوا يأخذون الحديث منه ثم يتفرقون عزين بالتكذيب، وقيل: أسرعوا متعجبين منه، وقيل: أسرعوا إليه لطلب عيب له، وقيل: فما للذين كفروا مسرعين إلى نيل الجنة وطمع الثواب مع الإقامة على الكفر وليس معهم ما يوجب ذلك { عن اليمين وعن الشمال عزين } أي فرقا وعصبة عصبة وجماعة جماعة متفرقين { أيطمع كل امرء منهم أن يدخل جنة نعيم } مع ما هم عليه من الكفر { كلا } أي لا يكون ذلك { إنا خلقناهم مما يعلمون } قيل: من النطفة، وقيل: من قدر { فلا أقسم } قيل: لا صلة مؤكدة، وقيل: هو كقوله لا والله، وقيل: هو رد الكلام وإثبات للآخر { برب المشارق والمغارب } قيل: مشارق الشمس ومغاربها، قال ابن عباس: للشمس ثلاثمائة وستون مطلعا تطلع كل يوم من مطلع، وقيل: مشارق الشمس والقمر والنجوم { إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم } أي من قدر على خلقهم قدر على غيرهم، وقيل: يكون ذلك الغير خيرا منهم، ومتى قيل: فهلا يدلهم بمن هو خير منهم؟ قلنا: قد جعل فبدلهم بالمهاجرين والأنصار خير منهم: { وما نحن بمسبوقين } يعني يفوق عقابنا إياهم، وقيل: وما نحن بعاجزين عن ذلك، وقيل: وما نحن بمعلومين { فذرهم } دعهم، وهذا تهديد ووعيد { يخوضوا } في باطلهم { ويلعبوا } بأمر دنياهم { حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون } يعني { يوم يخرجون من الأجداث } من القبور { سراعا } قيل: لشدة السوق فيسرعون { كأنهم إلى نصب يوفضون } كأنهم إلى أوثانهم يسعون لتقرب اليهم في الدنيا { خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون } فلا يصدقون به.
[71 - سورة نوح]
[71.1-9]
{ إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك } أي أرسلناه لينذر قومه { من قبل أن يأتيهم عذاب أليم } موجع قيل: عذاب الدنيا بالاستئصال، وقيل: عذاب الآخرة { قال يا قوم إني لكم نذير مبين } أي مبين وجوه الأدلة في الوعيد وبيان العذاب وآداء الرسالة وبيان الأحكام ومعالم الدر { أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون } أي اتقوا معاصيه وأطيعون فيما أؤدي إليكم فانكم إذا فعلتم ذلك { يغفر لكم ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى } أي وقت الموت والمدة المضروبة فلا يهلككم بالعذاب والطوفان، وقيل: إن آمنتم زاد في أجلكم وإن لم تؤمنوا أهلككم { إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون } أي لو علمتم أن في عبادتكم تأخير الأجل، وقيل: لو علمتم ما في التوبة من عظم النجاة لبادرتم إليها، ثم بين تعالى قول نوح لما لم يجيبوه إلى دعوته ولم يقبلوا مقالته فقال سبحانه: { قال } نوح { رب إني دعوت قومي } إلى الإيمان بك وإلى عبادتك { ليلا ونهارا } يعني دائما متصلا، وقيل: دعوت بعضهم ليلا وبعضهم نهارا، وقيل: دعوت مرة ليلا ومرة نهارا والأول الوجه { فلم يزدهم دعائي إلا فرارا } انكارا وادبارا { واني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم } كراهة السماع { واستغشوا ثيابهم } أي غطوا وجوههم بثيابهم لئلا يروا نوحا ولا يسمعوا صوته { وأصروا } أي داموا على كفرهم { واستكبروا } اي تكبروا وانفوا عن قبول الحق { استكبارا } قيل: كان الرجل يذهب بابنه إلى نوح ويقول: يا بني احذر هذا ألا يغويك فإن أبي ذهب بي إليه فحذرني كما حذرتك { ثم إني دعوتهم جهارا } أي إعلانا، أي: { أعلنت لهم } الدعوة { وأسررت } قيل: دعاهم بكل وجه، وقيل: دعوتهم مرة بالإعلان ومرة بالإخفاء ودعوت طائفة سرا وطائفة جهرا، ومتى قيل: ما معنى قول نوح وفعلت والله أعلم به قيل: إظهار للعبودية وبذل للجهد في الطاعة له والدعاء اليه مع تمردهم، وقيل: شكا منهم ومن سوء صنعهم وما قابلوه.
[71.10-22]
{ فقلت استغفروا ربكم } أي اطلبوا منه المغفرة بالإيمان { إنه كان غفارا } لمن تاب وآمن { يرسل السماء عليكم مدرارا } متتابعا حالا بعد حال { ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات } بساتين { ويجعل لكم أنهارا } جارية، وقيل: كان الله ابتلى قوم نوح بالقحط وأعقم أرحام النساء أربعين عاما فضمن نوح لهم أنهم إن آمنوا أصلح الله أحوالهم، وروي أن عمرا (رضي الله عنه) خرج للاستسقاء فما زاد على الاستغفار وتلا هذه الآية، وروي أن رجلا أتى الحسن فشكا إليه الجدوبة فقال: استغفروا الله، وأتاه آخر فشكا اليه الفقر فقال: استغفر الله، وأتاه آخر فقال: ادعوا الله أن يرزقني ولدا فقال: استغفر الله، فقيل له في ذلك فتلا الآية، وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) استسقى ودعا ولم يصل { ما لكم لا ترجون لله وقارا } ، قيل: ما لكم لا تعتقدون باثبات الله إلها لكم، والوقار الثبات، وقيل: ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته، وقيل: ما لكم لا تعرفون الله حقا { وقد خلقكم أطوارا } تارات حالا بعد حال، قيل: نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم خلقا سويا، وقيل: صبيا ثم شابا ثم شيخا وضعيفا وقويا، وقيل: غنيا وفقيرا وصحيحا ومريضا { ألم تروا } يحتمل الرؤية بالنظر، ألم تنظروا السماوات كيف خلقناها ويحتمل العلم أي { كيف خلق الله سبع سماوات طباقا } أي بعضها فوق بعض { وجعل القمر فيهن نورا } قيل: في السماوات السبع، وقيل: أن الشمس والقمر وجوههما مما يلي السماء وظهورهما مما يلي الأرض، وقيل: في ناحيتين، وقيل: في سماء الدنيا، وهذا كما يقال: أتت بنو تميم وإنما أتى بعضهم، وقيل: الشمس في السماء الرابعة، وروي في الغرائب والعجائب أنه إجماع أن الشمس في السماء الرابعة { والله أنبتكم من الأرض نباتا } قيل: الكبر بعد الصغر والإطالة بعد القصر وذلك هو الإخراج من حال الطفولية إلى الشباب، وقيل: أراد الخلق الأول وهو خلق آدم من الأرض، وقيل: رباكم بالأغذية التي من الأرض { ثم يعيدكم فيها } أي في الأرض أمواتا { ويخرجكم } منها عند البعث { إخراجا } { والله جعل لكم الأرض بساطا } أي مهادا مستوية { لتسلكوا منها } من الأرض { سبلا فجاجا } طرقا مختلفة، وقيل: سبلا في الصحارى وفجاجا في الجبال { قال نوح رب إنهم عصوني } فيما دعوتهم إليه { واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا } أي هلاكا وهم القادة والأشراف تقليدا { ومكروا مكرا } أي دبروا في أمر نوح تدبيرا { كبارا } عظيما، قيل: بقي فيهم ثلاثة قرون كل قرن ثلاثمائة سنة كل قرن يوصي الآخر ألا يقبل منه.
[71.23-28]
{ وقالوا } يعني الرؤساء للاتباع { لا تذرن ودا ولا سواعا } وقد انتقلت هذه الأصنام عن قوم نوح (عليه السلام) إلى العرب، وكان ود لكلب وسواع لهمدان ويغوث لمدحج، ويعوق لمراد، ونسر لحمير، ولذلك سميت العرب تعبد ود، وقيل: أسماء رجال صالحين، وقيل: من أولاد آدم (عليه السلام) ماتوا فقال ابليس لمن بعدهم: لو صورتم صورهم فكنتم تنظرون إليهم ففعلوا، فلمن مات أولئك قال لمن بعدهم: أنهم كانوا يعبدونهم فعبدوهم، وقيل: كان ودا على صورة رجل، وسواع على صورة امرأة، ويغوث على صورة أسد، ويعوق على صورة فرس، ونسر على صورة نسر { وقد أضلوا كثيرا } يعني قد ضل بسبب هذه الأصنام كثيرا من الناس فأضاف الضلال إليها لما وقع بسببها، وقيل: أن أكابرهم أضلوا اتباعهم { ولا تزد الظالمين إلا ضلالا } قيل: هلاكا، وقيل: إهانا { مما خطيئاتهم أغرقوا } في الدنيا ثم نقلوا إلى النار { فادخلوا نارا } ، قيل: في قبورهم لأن الفاء للتعقيب، وقيل: نار الآخرة أي سيدخلون { فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا } ينصرونهم فيدفع عنهم العذاب { وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا } أي لا تدع قيل: أنه دعا بإذن الله لما أيس من إيمانهم، وقيل: ما دعى عليهم حتى نزل:
لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن
[هود: 36] وقوله: { على الأرض من الكافرين ديارا } أي أحدا يدور { إنك ان تذرهم يضلوا عبادك } يعني يتواصون بمخالفة نوح وتكذيبه { ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا } أي لا يلدوا إلا من يكفر عند بلوغه حد التكليف لأن الطفل لا يكون كافرا، وقيل: إنما قال نوح هذا حين أخرج الله كل مؤمن من أصلاب رجالهم وأرحام نسائهم وأعقم أرحام نسائهم وأيبس أصلاب رجالهم أربعين سنة قبل العذاب، وقيل: سبعين سنة، وأخبر الله نوحا أنهم لا يؤمنون ولا يلدوا مؤمنا، فحينئذ دعا عليهم فأجاب الله دعاءه وأهلكهم بالطوفان ولم يكن فيهم صبي وقت العذاب، وقيل: يجوز أن يكون فيهم أطفال فيكون ذلك محنة يجب عليها العوض كالأمراض والأوجاع التي تصيب الأطفال، ثم دعا لنفسه فقال: { رب اغفر لي ولوالدي } وكانا مؤمنين، وقيل: آدم وحواء وقرأ الحسن بن علي (صلى الله عليه وآله وسلم): ولولدي يريد ساما وحاما { ولمن دخل بيتي } قيل: داري، وقيل: مسجدي، وقيل: سفينتي { مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات } عامة، قيل: من أمة محمد { ولا تزد الظالمين إلا تبارا } هلاكا.
Shafi da ba'a sani ba