[64 - سورة التغابن]
[64.1-6]
{ يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض } قد قدمنا ما قيل فيه، وقيل: ينزهه المكلفون بالقول والجمادات بالدلالة { له الملك } منفرد دون غيره { وهو على كل شيء قدير } يوجد المعدوم ويعدم هذا الموجود { هو الذي خلقكم } قيل: الخطاب للمكلفين، وقيل: هو عام، أي أحدثكم من عدم كما أراد، وقد تم الكلام هاهنا ثم ابتدأ سبحانه فقال: { فمنكم كافر ومنكم مؤمن } قيل: منكم من لم يقر بخلقه كالدهرية ومنكم من يقر بأنه خلقه كالموحدة وهذا نحو قوله: { والله خلق كل دابة من ماء } الآية، كذلك هاهنا الله تعالى خلقهم ثم الإيمان والكفر منهم، وقيل: فمنكم كافر بالله ومنكم مؤمن به، وقيل: فمنكم كافر في السر مؤمن في العلانية كالمنافقين، وقيل: فمنكم كافر بالله مؤمن بالكوكب ومنكم مؤمن بالله كافر بالكوكب، ولا يجوز حمله على أنه خلقهم مؤمنين كافرين لأن الكفر والإيمان فعل العبد { خلق السماوات والأرض بالحق } أي للحق والطاعة، وقيل: قصد به الحق، وقيل: الثواب { وصوركم فأحسن صوركم } ، قيل: حسنها من حيث الحكمة ومن حيث قبول الحق { وإليه المصير } أي إلى حكمه المرجع { يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون ما تعلنون والله عليم بذات الصدور } يعني بما في القلوب { ألم يأتكم نبأ الذين كفروا } خبر الأمم الذين كفروا { فذاقوا وبال أمرهم } من العذاب، والوبال يقال للشيء المكروه، وبال الأمر وحامه { ولهم عذاب أليم } موجع { ذلك بأنه كانت تأتيهم }..... أي ذلك العذاب نزل بهم لأجل أن الرسل أتتهم { بالبينات } بالحجج والمعجزات فأنكروا { فقالوا أبشر يهدوننا } مثلنا نتبعه { فكفروا وتولوا واستغنى الله } أي هو غني عنهم وعن عبادتهم وإنما كلفهم لنفعهم { والله غني } لا يجوز عليه الحاجة { حميد } محمود.
[64.7-13]
{ زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا } بعد الموت أحياء { قل } يا محمد { بلى وربي لتبعثن } وذكر القسم تأكيدا للبعث { ثم لتنبؤن بما عملتم } لتخبرن بما يعرض عليهم مكتوبا في الكتب، وقيل: تجازون بذلك { وذلك على الله يسير } أي هو سهل عليه يبعث جميع الخلق في طرفة عين { فآمنوا } أيها المكذبون بالبعث { بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا } قيل: هو القرآن { والله بما تعملون خبير } عالم بأعمالكم فيجازيكم { يوم يجمعكم ليوم الجمع } قيل: يجمعكم من القبور ليوم القيامة لاجتماع الخلائق فيه { ذلك يوم التغابن } قيل: غبن أهل الجنة أهل النار لما نالهم من العذاب بإيثارهم الدنيا الفانية، وروى أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في تفسير:
" ما من عبد يدخل الجنة إلا رأى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا، وما من عبد يدخل النار إلا رأى مقعده في الجنة لو أحسن ليزداد حسرة "
{ ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته } أي معاصيه { ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا } أي يدوم لبثهم ونعيمهم { ذلك الفوز العظيم } أي الظفر بالمطلوب { والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار } هم { خالدين فيها وبئس المصير } { ما أصاب من مصيبة } في الأرض ولا في السماء، قيل: الآلام والأمراض والقحط والجدب والموت ونحوها يجب على العبد الرضى بقضائه { إلا بإذن الله } أي بأمره وهذا توسع، والمراد أنه يفعله ويخلقه، وقيل: المراد جميع ما يناله من الضرر وإن كان ظلما قبيحا { إلا بإذن الله } بعلمه { ومن يؤمن بالله } قيل: يصدق ويرضى بقضائه { يهد قلبه } إلى نيل ثوابه، وقيل: يهد قلبه ليعلم أن المصيبة بإذن الله، وقيل: هو الذي إذا أعطى شكر، وإذا ابتلى صبر، وإذا ظلم غفر، وإذا أصابته مصيبة استرجع { والله بكل شيء عليم } فيجازي كل إنسان بعمله { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم } أعرضتم فاعلموا { إنما على رسولنا البلاغ المبين } أي ليس عليه إلا تبليغ الرسالة وقد فعل { الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون } والتوكل تفويض الأمر.
[64.14-18]
{ يأيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم } الآية نزلت في قوم أرادوا الهجرة فثبطهم أزواجهم وأولادهم، وقيل: كانوا كفارا وأظهروا العداوة، وقيل: كان الرجل إذا أسلم يريد أن يهاجر مع أهله وولده فمنهم من يحب ومنهم لا يحب ففي ذلك نزلت، وقيل: من للتبعيض لأن بعضهم بهذه الصفة { فاحذروهم } الضمير للعدو والأزواج والأولاد جميعا، أي لما علمتم أن هؤلاء لا يخلون من عذر فتكونوا منهم على حذر ولا تأمنوا غوائلهم وشرهم { وإن تعفوا } عنهم إذا اطلعتم منهم على عداوة أولم تقابلوهم بمثلها فإن الله يغفر لكم ذنوبكم، وروي أن أزواجهم وأولادهم قالوا لهم: أين تذهبون وتدعون بلدكم وعشيرتكم وأموالكم؟ فغضبوا عليهم وقالوا: لئن جمعنا الله في دار الهجرة لن نصيبكم بخير، فلما هاجروا منعوهم الخير، فحبوا أن يعفوا عنهم ويردوا البر والصلة، وقيل: كان عوف بن مالك الأشجعي ذا أهل وولد فإذا أراد أن يغزو تعلقوا به وبكوا إليه فكأنه هم باذائهم فنزلت الآية { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } بلاء ومحنة لأنهم توقعون في الإثم والعقوبة ولا بلاء أعظم منها ألا ترى إلى قوله: { والله عنده أجر عظيم } ولأن المرء يبتلى بحبهم، وقيل: عداوتهم أنهم يتمنون موتهم فيرثون ماله وذلك أنهم يحملوهم على كسب الحرام ومن كثر عياله قل نظره في أمر عاقبته، وفي الحديث:
" يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال:أكل عياله حسناته "
Shafi da ba'a sani ba