[49.1-5]
{ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } اختلفوا في سبب نزولها فقيل: نزلت في الذبح يوم الأضحى وذلك أن ناسا ذبحوا قبل صلاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأمرهم أن يعيدوا الذبح، وقيل: نزلت في قوم صاموا قبل صوم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل: نزلت في الشرائع والقتال، يعني لا تقضوا أمرا دونه، وقيل: نزلت في قوم كانوا يحضرون مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا سئل خاضوا فيه قبله وأفتوا، وقيل: هو عام { يأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } قيل: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وكان جوهري الصوت وفي أذنيه وقر فإذا كلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رفع صوته لأن فيه أحد شيئين إما لأن فيه نوع استخفاف فهو كفر وإما سوء أدب وفيه خلاف التعظيم المأمور به، ومتى قيل: أليس ثابت لم يكفر ولم يفسق؟ قلنا: لم يقصد الاستخفاف: { ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم } كما يرفع بعضكم صوته على بعض، وقيل: خاطبوا بالتعظيم { أن تحبط أعمالكم } أي لئلا تحبط أعمالكم يعني إن فعلتم ذلك { إن الذين يغضون أصواتهم } ناسا من العرب إذا أتوه يناجونه يا محمد فأنزل الله تعالى هذه الآية وقيل: نزلت في قوم رفعوا أصواتهم في القراءة خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أي يخفونها ولا يجهرون بها جهرا عظيما كذلك مع الأئمة والعلماء { أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى } فوجدها خالصة، وقيل: امتحنهم ليظهر ما فيها من التقوى { لهم مغفرة } لذنوبهم { وأجر عظيم } { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون }
" روى جابر بن عبد الله أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سئل عمن نزلت فيه هذه الآية فقال: " نزلت في بني تميم "
في وفد فيهم الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن وقيس بن عاصم جاؤوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنادوه يا محمد أخرج إلينا نفاخرك فإن مدحنا زين وإن ذمنا شين، فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأجابهم نثرا، وأمر حسان فأجابهم نظما، فارتفعت الأصوات فنزلت الآية: { أكثرهم لا يعقلون } يعني جهال { ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم } أنفع وأسلم من الآثام، وقيل: أقرب إلى الصلاح { والله غفور رحيم }.
[49.6-8]
{ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ } الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في صدقات بني المصطلق فخرجوا يلقونه فرحا به إكراما وتعظيما لأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم } فظن أنهم هموا بقتله فرجع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: منعوني صدقاتهم، وقيل: كان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية فلذلك قال ما قال، فغضب رسول الله وهم أن يغزوهم فبلغهم ذلك فجاؤوا وذكروا ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فبعث خالد بن الوليد فلم ير منهم إلا الطاعة في الوليد نزل قوله: { إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } حتى تعلموا حقيقته وقرئ بالثاء يعني حتى يثبت عندكم { أن تصيبوا } بقتل أو قتال وأنتم لا تعلمون حقيقة الأمر { فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } { واعلموا أن فيكم رسول الله } فاتقوا الله أن تقولوا باطلا فإن الله يخبر به { لو يطيعكم } أي يتبع مرادكم { في كثير من الأمر } قيل: يقبل قول بعضكم، وقيل: يقضي برأيكم { لعنتم } يعني أثمتم، وقيل: أفعنتم في عنت وهو الهلاك { ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم } وأنتم تطيعون الله ورسوله فيذهب عنكم العنت، وقيل: حبب بالأدلة على صحته واستقامته، وقيل: بالطاعة { وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان } قيل: بألطافه، وقيل: بما وصف من العقاب عليه { أولئك هم الراشدون } أي من تمسك بهذه الطريقة كان على رشد وصواب { فضلا من الله ونعمة } يعني رشادهم بدعاء الرسول أو تمكين الله ولطفه { والله عليم حكيم } لا يفعل إلا بحكمة وعالم بالمصالح.
[49.9-12]
{ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } اختلفوا في سبب نزولها فعن ابن عباس (رضي الله عنه): وقف رسول الله على مجلس بعض الأنصار وهو على حمار فبال الحمار، فأمسك عبد الله بن أبي بأنفه وقال: خل سبيل حمارك فقد أذانا نتنه، فقال عبد الله بن رواحة : والله ان بول حماره لأطيب من مسكك، وروي: حماره أفضل منك وبول حماره أطيب من مسكك، وطال الخوض بينهما حتى استبا فتجالدوا وجاء قوماهما وهم الأوس والخزرج فتجالدوا بالعصي، وقيل: بالأيدي والنعال، فرجع اليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأصلح بينهم ونزلت، وعن مقاتل: قرأها عليهم فاصطلحوا { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء } البغي الاستطالة والظلم، وأتى الصلح، والفيء الرجوع وقد سمي به الظل والغنيمة لأن الظل يرجع بعد نسخ الشمس والغنيمة ما ترجع من أموال الكفار إلى المسلمين، وقيل: نزلت في رجلين من الأنصار جرت بينهما منازعة، وقيل: نزلت في حرب الأوس والخزرج في الجاهلية فلما جاء الاسلام أنزل الله هذه الآية وأمر نبيه فأصلح بينهم { فإن فاءت } رجعت { فأصلحوا بينهما بالعدل } بالقسط حتى يكونوا سواء { واقسطوا ان الله يحب المقسطين } العادلين { إنما المؤمنون إخوة } قيل: سماهم مؤمنين وإخوة قبل القتال، وقيل: بذلك بعد الصلح والرجوع { فأصلحوا بين أخويكم } قيل: يحملوهم على حكم الشرع { واتقوا الله } في الفرقة { لعلكم ترحمون } { يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم } الآية، قيل: نزلت في قوم من بني تميم استهزؤا ببلال وخباب وعمار وصهيب وأبي ذر، وروي أنها نزلت في ثابت بن قيس وكان به وقر، وكانوا يوسعون له في مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليسمع فأتى يوما وهو يقول: تفسحوا حتى أتى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لرجل: تنح، فلم يفعل فقال: من هذا؟ فقال: أنا فلان، فقال: أنت ابن فلانة يريد أما كان يعير بها في الجاهلية فخجل الرجل فنزلت فقال ثابت: لا أفخر في الحسب على أحد بعدها، وعن عبد الله بن مسعود: البلاء موكل بالقول لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبا، يعني لا يسخر أحد من أحد، ورجال من رجال، والسخرية أن يستخف به ويضحك عليه حتى يغمه، عسى أن يكونوا خيرا منهم عند الله، وإن كان الساخر ذا مال وجاه { ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن } نزلت في صفية بنت حيي، عن ابن عباس:
" أن صفية أتت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت: إن النساء يعيرنني ويقلن يا يهودية بنت يهوديين، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " هلا قلت إن أبي هارون وعمي موسى وان زوجي محمد "
، وقيل: نزلت في حفصة وعائشة سخرا بأم سلمة وذلك أنها ربطت شعرها بشيء فأسدلته خلفها فقالت عائشة: انظري ما تجر خلفها كأنه لسان كلب، وقيل: أن عائشة كانت تسخر من زينب بنت خزيمة الهلالية وكانت قصيرة { ولا تنابزوا بالألقاب } نزلت في الأنصار كانوا يتنابزون بالألقاب فنزلت الآية، وقيل: نزلت في قوم كان لهم اسما في الجاهلية فلما أسلموا نهوا أن يدعوا بها بعضهم بعضا، واللمز الطعن والضرب باللسان، وقرئ تلمزوا بالضم، والمعنى وخصوا أيها المؤمنون أنفسكم بالانتهاء عن غيبتها والطعن فيها ولا عليكم أن تعيبوا غيركم ممن لا يدين بدينكم ولا يسير بسيرتكم، وفي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
Shafi da ba'a sani ba