{ والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها } الآية نزلت في زيد بن عمرو، وورقة بن نوفل، وأبي ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وكانوا في الجاهلية يقولون: لا إله إلا الله، والطاغوت الأوثان، وقيل: الشيطان { وأنابوا إلى الله } أي رجعوا اليه وأخلصوا عبادته { لهم البشرى } في الدنيا والآخرة { فبشر عباد } { الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه } ، قيل: أحسنه طاعة الله، وقيل: أحسنه يتبعون الناسخ دون المنسوخ، وقيل: يتبعون القرآن لأنه أحسن الحديث { أولئك الذين هداهم الله } بالألطاف، وقيل: هداهم إلى الجنة، وقيل: حكم بهدايتهم { وأولئك هم أولو الألباب } أولو العقول { أفمن حق عليه كلمة العذاب } بكفره { أفأنت تنقذ من في النار } هذا نفي، أي لا ينقذهم طهرك { لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف } أي منازل عالية أنشأها الله { من فوقها غرف } على بعضها فوق بعض { مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله } ذلك المتقين والله لا يخلف الميعاد { ألم تر } ألم تعلم { أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع } عيونا { في الأرض } معناه أنزل من السماء ماء المطر، وكل ما في الأرض فهو ينزل من السماء إلى الصخرة ثم يقسمه الله، فسلكه وأدخله ويطعمه، ينابيع في الأرض عيونا ومسالك ومجاري كالعروق في الأجساد { ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه } كالبر والشعير والذرة والسمسم ونحوه، وقيل: من ألوان النبات أخضر وأصفر وأحمر وأبيض وأسود { ثم يهيج } يتم حفافه { فتراه مصفرا } بعد خضرته؟ { ثم يجعله حطاما } يابسا مكسرا { إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب } أي حجة للعاقل إذا تفكر فيها علم أن لها صانعا { أفمن شرح الله صدره للإسلام } الآية نزلت في عمار بن ياسر، وقيل: نزلت في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
" وقرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الآية فقيل: يا رسول الله كيف شرح الصدر؟ فقال: " إذا دخل النور القلب انفسح " ، فقيل: يا رسول الله فما علامة ذلك؟ قال: " الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والتأهب للموت قبل نزول الموت "
{ فهو على نور من ربه } ، قيل: على دلالة وهدى من ربه { فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله } الآية نزلت في أبي جهل وأصحابه وقسوتهم أنهم ردوا الحق واعتقدوا الباطل { أولئك } يعني القاسية قلوبهم { في ضلال } عن الحق { مبين } وعن ابن مسعود وابن عباس: قالت الصحابة: حدثنا يا رسول الله، فنزل: { الله نزل أحسن الحديث } سماه أحسن لأنه معجزة تشتمل على ما يحتاج إليه المكلف من التنبيه على أدلة التوحيد، والعدل، وبيان أحكام الشرائع والمواعظ، والزواجر، وقصص الأنبياء وأممهم، والوعد والوعيد { كتابا } هو القرآن سمي كتابا لأنه يكتب { متشابها } لأنه يشبه بعضه بعض فلا تناقض فيه { مثاني } أي يثبت فيه القصص، والأخبار، وذكر الجنة والنار، وقيل: لأنه بينا في التلاوة { تقشعر منه } أي تضطرب من القرآن إذا سمع ما فيه من الوعد والوعيد والاخبار { جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين } تطمئن بالايمان { جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله } تعالى { ذلك هدى الله } يعني القرآن { يهدي به من يشاء } وهم الذين آتاهم القرآن وهداهم به { ومن يضلل الله فما له من هاد } ، قيل: من يضل عن رحمة الله فلا هادي له، وقيل: من يضلله عن زيادة الهدى والالطاف لأن الكفارة لا لطف لهم عنده، وقيل: يحكم الله بضلالته ولا يحكم بهدايته أحد، وقيل: من يضلل الله عن طريق الجنة والثواب لا يهديه إليها أحد ، ولا يجوز حمله على أنه يضل عن الدين لأنه قبيح فلا يجوز عليه تعالى.
[39.24-31]
{ أفمن يتقي بوجهه } الآية نزلت في أبي جهل { سوء العذاب يوم القيامة } أي يدفع شدة العذاب منه بوجهه وهو غاية الضرورة لأن الوجه أعز عضو من الانسان، وقيل: يده مغلولة إلى عنقه { وقيل للظالمين } والقائلون الخزنة { ذوقوا ما كنتم تكسبون أي وباله وجزاؤه { كذب الذين من قبلهم } يعني قبل قريش من أمم الأنبياء مثل قوم نوح وعاد وثمود { فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون } أي من حيث لا يعلمون { فأذاقهم الله الخزي } الذل والهوان { في الحياة الدنيا } فخسف بعضهم وأغرق بعضهم ومسخ بعضهم { ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون } يعني أن العذاب المعد لهم أعظم { ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل } يعني ما قص من أخبار الأمم وما نزل بهم وما ذكر من المواعظ { لعلهم يتذكرون } أي لكي يتذكرون ويتدبرون فيها { قرآنا عربيا } يعني تلك الأمثال في القرآن بلغة العرب يفهموا ذلك { غير ذي عوج } يعني ليس فيه لبس ولا تناقص ولا يختلف ولا يكذب { لعلهم يتقون } أي ليتقوا الكفر والمعاصي { ضرب الله مثلا رجلا فيه } شركاء { متشاكسون } هذا مثل للمؤمن والكافر، فمثل الكافر في عبادة الأصنام في عبد فيه شركاء { متشاكسون } متشاجرون على خدمته مختلفون وكل واحد يطالبه { ورجلا سلما } أي خالص، وذلك ضرب مثلا للمؤمن في عبادة الله خالصا، ووجه ذلك أن المشرك لا يجد من الله كرامة لأنه لا يعبده خالصا، ولا من الأصنام، فهو كالعبد المشترك بين جماعة مختلفين، ومثل المؤمن الذي يعبد الله وحده في أنه يجد كرامته كعبد له مولا وحده يتوفر على خدمته { هل يستويان مثلا } أي لا يستوي حالهما { الحمد لله } الواحد الذي لا شريك له دون كل معبود { بل أكثرهم لا يعلمون } فيشركون به غيره { إنك ميت وإنهم ميتون } كانوا يتربصون برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبر أن الموت يعمهم جميعا { ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } في الموضع الذي يحكم فيه المحق والمبطل والظالم والمظلوم.
[39.32-40]
{ فمن أظلم ممن كذب على الله } أي لا أحد أظلم ممن كذب على الله بأن أضاف إليه الولد، أو أضاف اليه القبيح { وكذب بالصدق إذ جاءه } ، قيل: القرآن، وقيل: الأنبياء والشرائع { أليس في جهنم مثوى } أي منزل ومقام { للكافرين } يعني جهنم مثواهم { والذي جاء بالصدق وصدق به } نزلت في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل: الذي جاء بالصدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي صدق به المؤمنون، يعني جاء بالقرآن وصدقوا به وهو حجتهم في الدنيا والآخرة عن مجاهد وقتادة ومقاتل واحتجوا بقوله: { وأولئك هم المتقون } ، وقيل: الذي جاء بالصدق جبريل وصدق به محمد تلقاه بالقبول ذكر ذلك الحاكم، قال جار الله: والذي جاء بالصدق وصدق به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء بالقرآن وآمن به وأراد به إياه ومن تبعه كما أراد بموسى إياه وقومه في قوله:
ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون
[المؤمنون: 49] فلذلك قال: { أولئك هم المتقون } ، وفي قراءة ابن مسعود: والذي جاء بالصدق وصدقوا به أولئك هم المتقون، اتقوا عذاب الله باتقاء معاصيه { لهم ما يشاؤون عند ربهم } أي ما شاؤوا من النعيم بوصاة الله اليهم { ذلك جزاء المحسنين ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا } وإنما يصير مكفرا بالتوبة { ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون } أي يجازيهم إلى حسن أعمالهم { أليس الله بكاف عبده ويخوفونك } وذلك أن قريشا قالت: إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا وإنا نخشى عليك معرتها، يعني أن الله يعصمه من كل شيء ويدفع عنه كل بلاء في مواطن الخوف، أوليس الله بكاف أنبياءه، ولقد قالت أممهم نحو ذلك نحو قول قوم هود:
إن نقول الا اعتراك بعض آلهتنا بسوء
Shafi da ba'a sani ba