[21.98-107]
{ إنكم وما تعبدون من دون الله } يحتمل الأصنام وإبليس وأعوانه لأنهم بطاعتهم له واتباعهم خطواتهم في حكم عبدتهم، ويصدقه ما روي
" أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل المسجد وصناديد قريش في الحطيم وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما، فجلس اليهم فعرض له النضر بن الحرث، وكلمه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أفحمه، ثم تلا عليهم { إنكم وما تعبدون من دون الله } الآية، فأقبل عبد الله بن الزبعرى فرآهم يتساهمون فقال: فيم خوضكم فأخبره الوليد بن المغيرة بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال عبد الله بن الزبعرى: لو وجدته لخضته، فدعوه فقال ابن الزبعرى: أأنت قلت ذلك؟ قال: " نعم " قال: قد خصمتك ورب الكعبة، أليس اليهود عبدوا عزير، والنصارى عبدوا المسيح، وبني مدلج عبدوا الملائكة، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك "
وأنزل الله تعالى: { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } إما السعادة والبشرى بالثواب يعني عزير والمسيح والملائكة، قال جار الله: فإن قلت: لم قرنوا بآلهتهم؟ قلت: لأنهم لا يزالون لمقارنتهم في غم وحسرة، ولأنهم قد رأوا أنهم يشفعون لهم في الآخرة فإذا أصابهم الأمر على عكس ما قد رأوا لم يكن شيء أبغض إليهم منهم، وقيل: ما لما لا يعقل كما أن من لمن يعقل { حصب جهنم } ، قيل: وقود ماء، وقيل: حطبها { لهم فيها زفير } الزفير سد النفس { وهم فيها لا يسمعون } قيل: لا يحسون داعيا، وقيل: لا يسمعون ما ينفعهم، وقيل: لا يسمعون صراخ أهل النار وصوت المقامع وأصوات الخزنة، ولا يسمعون صوتا لهم فيه راحة، وقيل: يصيرون صما في وقت ويسمعون في وقت { لا يسمعون حسيسها } وهو الصوت الذي يحس { وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون } في ثواب الله دائمون لا يحزنهم الفزع الأكبر، قيل: النفخة الآخرة، وعن الحسن: الانصراف إلى النار، وقيل: حين يطبق، وقيل: حين يذبح الموت على صورة كبش أملح { وتتلقاهم الملائكة } مهنئين على ثواب الجنة يقولون: { هذا يومكم الذي كنتم توعدون } { يوم نطوي السماء } الطي هذا لنشر { كطي السجل للكتب } ، قيل: السجل الصحيفة تطوى على ما فيها من الكتاب، وقيل: السجل ملك يطوي كتب بني آدم إذا رفعت إليه، وقيل: كانت لرسول والكتاب على هذا اسم للصحيفة المكتوب فيها { كما بدأنا أول خلق نعيده } أي استئناف كلام أي كما خلقناه ابتداء نعيده للحشر، وقيل: كما بدأناهم حفاة عراة في بطون أمهاتهم كذلك يوم القيامة، قال جار الله: فإن قلت: وما أول الخلق حتى يعيده كما بدأه؟ قلت: أوله إيجاده عن العدم كما أوجده أولا عن عدم يعيده باليا عن عدم { وعدا علينا } يجب الوفاء به، وقيل: حقا علينا واجبا { إنا كنا فاعلين } الإعادة { ولقد كتبنا في الزبور } كتب الأنبياء { من بعد الذكر } من كتبته في أم الكتاب، قال جار الله: زبور داوود والذكر التوراة، وقيل: اسم لجنس ما أنزل على الأنبياء من الكتب والذكر أم الكتاب يعني اللوح، وقيل: زبور داوود والذكر القرآن { أن الأرض يرثها عبادي الصالحون } ، قيل: أرض الجنة، وقيل: أرض الدنيا يرثها المؤمنون بعد إخلاء الكفار كقوله:
وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها
[الأعراف: 137]، وقيل: الأرض المقدسة يرثها أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) { إن في هذا } ، قيل: هذا القرآن، وقيل: ما قصصناه عليك من الوعد والوعيد، وقيل: في الجنة { لبلاغا } لكفاية { لقوم عابدين } مؤمنين يعبدون الله وحده، وقيل: عالمين، وقيل: هم أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أهل الصلوات الخمس والقوم بين تعالى أن ما أوحى إليه وأرسله لينتفع به العباد فقال سبحانه: { وما أرسلناك } يا محمد { إلا رحمة للعالمين } يعني نعمة في الدين والدنيا.
[21.108-112]
{ قل } يا محمد { إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد } يعني من تحق له العبادة { فهل أنتم مسلمون } ومنقادون بذلك بأن تتركوا عبادة غيره، وقيل: هل أنتم داخلون في الإسلام؟ { فإن تولوا } أعرضوا { فقل } يا محمد لهم { آذنتكم } أعلمتكم { على سواء } في الانذار لم أظهر شيئا لبعض وأكتمه عن بعض، وقيل: على سواء في الإنذار والدعاء، وقيل: أعلمتكم ما أعد الله لكم على كفركم من العذاب { وإن أدري } لا أعلم { أقريب أم بعيد ما توعدون } يعني القيامة فإن الله تعالى هو العالم بوقتها، وقيل: المراد العذاب الموعود لهم ما يوعدون به من غلبة المسلمين عليكم لا محالة ولا بد، وإن كنت لا أدري متى يكون ذلك لأن الله تعالى لم يعلمني { إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون } والله عالم لا يخفى عليه شيء من كلام الطاعنين في الإسلام فهو مجازيكم عليه { وإن أدري لعله فتنة لكم } ما أدري لعل تأخير هذا الموعد لينظر كيف تعملون، يعني لعل تأخير العذاب فتنة لكم أي اختبار وشدة وتكليف { ومتاع إلى حين } أي يمتعكم إلى أجل قد علمه، ومعنى الآية لا أدري بعد البيان لعل بقاءكم زيادة في عقوبتكم إن لم تؤمنوا { قل رب احكم بالحق } وفوض الأمر إليه أي احكم بيني وبين من كذبني بالحق، وعن قتادة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا شهد قتالا قال:
" رب احكم بالحق "
أي افصل بيني وبين المشركين كما تفصل به الحق { وربنا الرحمان المستعان } الذي تحق له العبادة، وقوله: { المستعان } الذي يعينهم على أمورهم { على ما تصفون } من خلاف الدين وكانوا يطمعون أن تكون لهم الغلبة فكذب الله ظنهم ونصر رسوله والمؤمنين.
Shafi da ba'a sani ba