[20.83-91]
{ وما أعجلك عن قومك يا موسى } يعني ما حملك على العجلة عنهم، قيل: كان أمر الله موسى أن يختار من قومه جماعة، وقيل: سبعون رجلا من خيارهم ليذهبوا معه للميقات ويأخذوا التوراة، فقدموا جميعا إلى الطور على الموعد، ثم تقدمهم موسى شوقا إلى كلام ربه وظن أن ذلك أقرب إلى رضى ربه، وقيل: تقدمهم موسى وأمرهم أن يتبعوه إلى الجبل فقال سبحانه: { ما أعجلك عن قومك يا موسى } { قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى } ، ومتى قيل: إذا كان مأمورا بإحضارهم فلم تقدمهم؟ قالوا: أمر أن يحضر ويحضرهم ولم ينه عن التقدم، ومتى قيل: فلم قال فما أعجلك؟ قالوا قيل: لم يؤذن له في التقديم { قال فإنا قد فتنا قومك } يعني امتحناهم بما حدث في بني إسرائيل من أمر العجل وألزمنا عند ذلك النظر لتعلموا أنه ليس بإله، وأن الله سبحانه وتعالى ليس بصفة الأجسام { وأضلهم السامري } يعني دعاهم إلى الضلال وهو أشدهم ضلالا، وهو منسوب إلى قبيلة من بني إسرائيل يقال لها السامرة، وقيل: كان علجا من قرمان واسمه موسى ابن ظفر، وكان منافقا، وكان من قوم يعبدون البقر { فرجع موسى } بعد ما استوفى أربعين ليلة ذو القعدة وعشر من ذي الحجة وعدهم الله سبحانه أن يعطيهم التوراة الذي فيها هدى ونور، حكى لنا أنها كانت ألف سورة، كل سورة ألف آية، يحمل أسفارها سبعون جملا، وقوله: { غضبان أسفا } ، قيل: حزينا، فقال: { يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا } ولا وعد أحسن من ذلك؟ { أفطال عليكم العهد } الزمان؟ يريد مدة مفارقته لهم، قيل: كان الموعد أربعين جعلوا الليل مفردا والنهار مفردا فلم تم عشرون قال السامري: إن موسى حل حيث لم يرجع، وقيل: أقاموا ثلاثين يوما فلما لم يرجع تمكن منهم السامري { أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم } يعني ينزل عليكم عقوبة { فأخلفتم موعدي } وذلك أن موسى أمرهم أن يقيموا على أمرهم ودينهم حتى يرجع فخالفوا، وقيل: أمرهم أن يتمسكوا بطريقة هارون وطريقته { قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا } ، قيل: لم نعتمد ذلك، وقيل: بملكنا وطاقتنا، وقيل: بأن ملكنا أمرنا، وقيل: لم نملك الصواب ولكن أخطأنا { ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم } من حلي آل فرعون، وذلك أن موسى أمرهم أن يستعيروا من حليهم، وقيل: كانت غنائم آل فرعون ولم يكن لهم حلالا فجمعوها ودفعوها إلى السامري { فقذفناها } ، قيل: في نار السامري التي أوقدها في الحفرة وأمر بأن يطرح فيها الحلي { فكذلك ألقى السامري } أراهم أنه يلقى حليا في يده مثل ما ألقوا، وإنما ألقى التربة الذي أخذها من موطئ حيزوم فرس جبريل، قال جار الله: { فأخرج لهم } السامري من الحفرة { عجلا } خلقه الله من الحلي التي سبكتها يخور كما يخور العجاجيل، وروي أنه صاغ عجلا جعل فيه خردقا إذا دخلته الرياح فأوهم أنه يصوت، وقيل: خار مرة ولم يعد، وقيل: كان خواره بالريح إذا دخل جوفه، وقيل: صاغ عجلا من ذهب مرصع لا روح فيه روي ذلك في الحاكم، قال جار الله: فإن قلت: كيف أثرت تلك التربة في إحياء الأموات؟ قلت: ما يصح أن يؤثر الله سبحانه روح الفرس بهذه الكرامة الخاصة كما أثرت بغيرها من الكرامات، وهي يباشر فرسه بحافره تربة، إذا لاقت تلك التربة جماد أنشأه الله عند مباشرته حيوانا، ألا ترى كيف أنشأ المسيح من غير أب عند نفخة في الدرع، فإن قلت لم خلق العجل من الحلي حتى خار فتنة لبني إسرائيل وضلالا؟ قلت: ليس بأول محنة محن الله بها عباده
يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين
[إبراهيم: 27] ومن عجب من خلق العجل فليكن من خلق ابليس أعجب، فقال - يعني السامري -: { هذا إلهكم وإله موسى } { فنسي } موسى أن يطلبه ها هنا وذهب يطلبه في الطور، أو فنسي السامري ما كان عليه من الإيمان الظاهر { أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا } يجيبهم { ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ولقد قال لهم هارون من قبل } قال جار الله: من قبل أن يقول لهم السامري ما قال كأنهم عندما دفعت إليه أبصارهم طلع من الحفرة واستحسنوه، وقيل: أن نطق السامري بادرهم هارون (عليه السلام) بأن قال: { إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمان فاتبعوني وأطيعوا أمري } { قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى } فاعتزلهم هارون في اثني عشر ألفا، فلما رجع موسى وهو ممتلئ غيظا من عبادة العجل، وسمع الصياح وكانوا يضربون الدفوف والمزامير حول العجل، فقال: هذه أصوات الفتنة واستقبله هارون (عليه السلام) فألقى الألواح وأخذ يعاقب هارون.
[20.92-98]
{ قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا } { ألا تتبعن } يعني هلا تبعتني بمن أقام على إيمانه { أفعصيت أمري } فيما أمرتكم، ويقال: ظاهر الآية أنه أمره باللحاق به، وقيل: لم يأمره بذلك وأمره بمجاهدتهم وزجرهم من القبيح، وكان أخاه من أمه وأبيه { لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي } وكان موسى (عليه السلام) رجلا حديدا في كل شيء شديد الغضب لله ولدينه، فلم يتمالك حتى رأى قومه يعبدون عجلا من دون الله بعد ما رأوا الآيات العظام، أن ألقي الألواح - التوراة - وأقبل على هارون فقبض على شعر رأس هارون وكان أقرع، وعلى شعر وجهه يجره إليه ولما ظهر براءة هارون وبين العذر علم أن الذنب للسامري، أقبل عليه موبخا { فقال ما خطبك } أي ما شأنك وما دعاؤك؟ { قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة } حين أرسل الله إلى موسى جبريل راكب حيزوم فرس الحياة، فأبصره السامري فقال : إن لهذا شأن، فقبض القبضة من تربة موطئة، وقيل: كان معتادا أن من قبض قبضة فألقاها على جماد فإنه يصير صواتا { وكذلك سولت لي نفسي } ما لا حقيقة له، وإنما صاغ عجلا وجعل فيه خردقا، وروي أنه مر به هارون وهو يصنع العجل فسأله، فقال: شيء أفعله مصلحة أدع الله أن يتم ذلك، فدعا له { قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس } أي ما دمت حيا لا تخالط أحدا ولا يخالطك، وكان موسى (عليه السلام) أمر بني إسرائيل ألا يؤاكلوه ولا يخالطوه، وقيل: حرم موسى مؤاكلته ومخالطته وذلك أنه عوقب في الدنيا بعقوبة لا شيء أعظم منها، وقيل: ألقيت هذه الكلمة على لسانه وكان يغدو في الفيافي ويقول: { لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه } أي لن يخلفك الله موعده الذي وعدك إياه على الشرك والفساد، ينجز ذلك في الآخرة بعدما عاقبك بذلك في الدنيا، فأنت ممن خسر الدنيا والآخرة { ذلك هو الخسران المبين وانظر إلى إلهك } الذي اتخذته إلها وعكفت عليه { لنحرقنه بالنار ثم لننسفنه في اليم نسفا } في البحر، وقيل: أحرق حتى صار رمادا ثم رماه في البحر، وإنما فعل ذلك لإزالة الشبهة من قلوب العامة { إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما } يعني هو خالقكم والمنعم عليكم المستحق للعبادة، هو الله الذي لا إله إلا هو، وقوله: { وسع كل شيء علما } أي يعلم كل شيء، ثم ذكر تعالى من أنباء الرسل تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعقبه بالوعد والوعيد.
[20.99-112]
فقال سبحانه: { كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق } ، من أخبار الأمم المتقدمة { وقد آتيناك من لدنا ذكرا } يعني القرآن لأن فيه ذكر ما يحتاج إليه من أمر الدين { من أعرض عنه } من أدبر عن القرآن فلم يعمل بما فيه ولم يؤمن به { فإنه يحمل يوم القيامة وزرا } وأصله الثقل أي يشق عليه حمله لما فيه من العقوبة كما يشق حمل الثقيل { خالدين فيه } أي في عقابه وجزائه { وساء لهم يوم القيامة حملا يوم ينفخ في الصور } جمع صورة يعني كل صور ينفخ فيه، وقيل: هو قرن ينفخ فيه النفخة الثانية ليقوم الناس من قبورهم للجزاء { ونحشر المجرمين } المذنبين { يومئذ زرقا } ، قيل: زرق العيون من شدة العطش، وقيل: عميا، وقيل: سود الوجوه حمر العيون { يتخافتون بينهم } يتشاورون خفية وسرا يعني يكلم بعضهم إما للخوف وللحسرة أو لخوف الفضيحة { إن لبثتم } ، قيل: في الدنيا، وقيل: في القبور { إلا عشرا } ليالي من مدة ما يرون من ذلك اليوم، قال جار الله: يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا إما لما يعاينون من الشدائد التي تذكرهم أيام القيامة والسرور فيتأسفون عليها ويصفونها بالقصر لأن أيام السرور قصار، وإما لأنها ذهبت عليهم والذاهب وإن طالت مدته قصيرة { إذ يقول أمثلهم طريقة } أشبههم بالعقل { إن لبثتم إلا يوما } ، قيل: قصر ذلك في أعينهم لما عاينوا العذاب، وقيل: إلا يوما بعد انقطاع عذاب القبر عنهم، ويعضده قوله تعالى { ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون } ثم بين أن منكر البعث يسأل عن ذكر القيامة ما حالها؟ فقال سبحانه: { ويسألونك عن الجبال فقل } يا محمد { ينسفها ربي نسفا } فيجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها { فيذرها } أي فيذر مفازها ومراكزها أن يجعل الضمير للأرض وإن لم يجر لها ذكر، كقوله:
ما ترك على ظهرها من دابة
[فاطر: 45] { قاعا صفصفا } المكان المستوي { لا ترى فيها عوجا ولا أمتا } واديا ولا رابية، والإعوجاج، الأودية، والأمت: الارتفاع، ثم بين تعالى صفة القيامة فقال سبحانه: { يومئذ } أي يوم القيامة { يتبعون الداعي } أي ثم إذا...... ويجوز أن يكون بدلا بعد بدل، والمراد بالداع إلى المحشر قالوا: هو إسرافيل قائما على صخرة بيت المقدس، يدعو الناس فينقلبون إليه من كل أوب إلى صوته لا يعدلون { لا عوج له } فيه أي لا عوج لدعاء الداعي ولا يعدل عن أحد بل يحشرهم جميعا، وقيل: من المقلوب أي لا عوج لهم من دعائه، بل يتبعون سراعا لا يلتفتون يمينا ولا شمالا { وخشعت الأصوات } أي خضعت الأصوات { من شدة الفزع فلا تسمع إلا همسا } وهو الذكر الخفي { يومئذ لا تنفع الشفاعة } يعني شفاعة الأنبياء والملائكة لأنهم لا يشفعون { إلا من أذن له الرحمان } { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم } يعني ما كان في حياتهم وبعد مماتهم لا يخفى عليه شيء من أمورهم تقدم أو تأخر، وقيل: يعلم ما بين أيديهم من أحوال الآخرة وما خلفهم من أحوال الدنيا { ولا يحيطون } بمعلوماته { وعنت الوجه } المراد وجوه العصاة، وأنهم إذا عاينوا يوم القيامة وسوء الحساب صارت وجوههم عانية أي ذليلة خاشعة { وقد خاب من حمل ظلما } وكل من ظلم في جانب خائب { ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما } يعني ظلما بالزيادة في سيئاته ولا نقصان من حسناته { وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا } بلسان العرب { وصرفنا فيه من الوعيد } كررنا وأكدنا { لعلهم يتقون } أي يتقون المعاصي والكبائر، وقيل: يتقوا أفعال الأمم الماضية كيلا ينزل بهم ما نزل { أو يحدث لهم } القرآن { ذكرا } يعتبرون به ويتعظون.
Shafi da ba'a sani ba