[التوبة: 36] { ذلك } أي ذلك الأمر بالإجارة في قوله: فأجره بسبب { أنهم قوم لا يعلمون } ما الاسلام وما حقيقة ما يدعو إليه فلا بد من إعطائهم الأمان حتى يسمعوا ويفقهوا الحق { كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله } كيف استفهام والمراد به الانكار أي لا يكون لهم عهد مع ما ظهر من غدرهم ونكثهم { إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام } نزلت في قوم من بني كنانة، وقيل: هم بنو خزيمة وبنو مدلج وبنو الديل دخلوا في عهد قريش في الحديبية فلما نقضت قريش أمرنا تمام العهد لمن لم ينقض، وهذا أصوب الأقوال، الآية نزلت عند فتح مكة قاله الحاكم وأراد بالمسجد الحرام: مسجد مكة { فما استقاموا لكم } على العهد { فاستقيموا لهم } على مثله { كيف وإن يظهروا عليكم } أي كيف يكون لهم عهد وحالهم أنهم إن يظهروا عليكم بعدما سبق لهم من توكيد الايمان والمواثيق لم ينظروا في حلف ولا عهد { لا يرقبوا } أي لا يحفظوا { فيكم إلا } بألسنتهم، قيل: عهدا، وقيل: يمينا { ولا ذمة } يعني عهدا { يرضونكم بأفواههم } يعطونكم بألسنتهم خلاف ما في قلوبهم { وتأبى قلوبهم } أي تأبى الإيمان { اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله } الآية نزلت في أبي سفيان، وقيل: في قوم من اليهود دخلوا في العهد ونقضوا والآية لائقة بهم لأنهم حرفوا وبدلوا { لا يرقبون في مؤمن إلا } ، قيل: عهدا، وقيل: يمينا وإنما كرر تأكيدا للحجة، وقيل: الأول في صفة المنافقين الناقضين للعهد والثاني صفة لليهود { وإن نكثوا ايمانهم } أي نقضوا العهد { وطعنوا في دينكم } عابوه { فقاتلوا أئمة الكفر } ، قيل: نزلت الآية في أبي سفيان بن حرب والحرث بن هشام وعكرمة بن أبي جهل وسائر رؤساء قريش الذين نقضوا العهد، وقيل: فارس والروم، وقيل: علماء الضلال لأنهم القادة { إنهم لا أيمان لهم } أي لائقون بما يحلفون، وقيل: لا وفاء لهم بالعهد وقرئ لا إيمان لهم أي لا إسلام أو لا يعطون الأمان بعد الردة { لعلهم ينتهون } أي قاتلوهم راجين انتهاءهم، وقيل: ينتهون عن الطعن في الدين أو عن الكفر.
[9.12-17]
{ ألا تقاتلون قوما نكثوا ايمانهم } الآية نزلت في مشركي قريش وقيل: في اليهود نكثوا عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكفروا، يعني نكثوا ايمانهم التي حلفوها في المعاهدة { وهموا بإخراج الرسول } من مكة حين تشاوروا في أمره بدار الندوة حتى أذن الله له بالهجرة { وهم بدأوكم أول مرة } أي وهم الذين كان منهم البدأة بالمقاتلة لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جاءهم بالكتاب المبين وتحداهم به فعدلوا عن المعارضة لعجزهم عنها إلى القتال، فهم المبتدؤن بالقتال فما يمنعكم من أن تقاتلوهم وأن تصدموهم بالشر كما صدموكم؟ { قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم } قتلا { ويخزهم } أسرا { وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين } نزلت في خزاعة، وقال ابن عباس : بطون من اليمن قدموا مكة فأسلموا، فلقوا من أهلها أذى شديدا، فبعثوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يشكون إليه فقال: " أبشروا فإن الفرج قريب " { ويتوب الله على من يشاء } ، قال جار الله: ابتداء كلام وإخبار بأن من أهل مكة من يتوب عن كفره، فكان ذلك فقد أسلم ناس منهم وحسن إسلامهم { أم حسبتم أن تتركوا } والمعنى أنكم لا تتركون على ما أنتم عليه حتى يتبين المخلص منكم، وهم الذين جاهدوا في سبيل الله والخطاب للمؤمنين لما شق على بعضهم القتال فأنزل الله تعالى: { أم حسبتم } الآية يعني ظننتم أنكم تتركون عن الجهاد فلا يعرض عليكم القتال { ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم } والمخلصين الذين { لم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة } ، قال جار الله: الوليجة فعيلة من ولج كالدخيلة من دخل يعني بطانة من الذين يضادون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين { ما كان للمشركين } أي ما صح لهم وما استقام { أن يعمروا مساجد الله } يعني المسجد الحرام لقوله: { وعمارة المسجد الحرام } وأما قراءته بالجمع ففيها وجهان: احدهما أن يريد المسجد الحرام، وقيل: مساجد لأنه قبلة المساجد كلها فعامره كعامر جميع المساجد، والثاني أن يريد حسن المساجد { شاهدين على أنفسهم بالكفر } وظهور كفرهم أنهم نصبوا أصنامهم حول البيت وكانوا يطوفون عراة، ويقولون: لا نطوف عليها بثياب قد أصبنا فيها المعاصي، وكلما طافوا شوطا سجدوا، والآية نزلت في العباس بن عبد المطلب، وقيل: في العباس وفي طلحة بن شيبة صاحب الكعبة أسرى يوم بدر، وعير بالشرك وقطيعة الرحم فقال العباس: لعلكم تذكرون مساوئنا ولا تذكرون محاسننا، فقالوا: وهل لكم محاسن؟ فقالوا: نعم، إنا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقي الحاج ونفك العاني، فأنزل الله تعالى هذه الآية: { أولئك حبطت أعمالهم } التي هي الحجابة والعمارة والسقاية.
[9.18-24]
{ إنما يعمر مساجد الله } ، قيل: جميع المساجد، وقيل: مسجد الكعبة وعمارتها بلزومها والعبادة فيها، وتلاوة القرآن، وذكر الله، ومدارسة العلم، وقيل: القيام بأمرها وعمارتها والوجه الأول، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
" يأتي آخر الزمان ناس من أمتي يأتون المساجد فيقعدون فيها حلقا ذكرهم الدنيا وحب الدنيا، فلا تجالسوهم فليس لله بهم حاجة "
وجاء في الحديث:
" الحديث في المسجد الحرام يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش "
، وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم):
" من ألف المسجد ألفه الله تعالى "
Shafi da ba'a sani ba