والاستقصاء شؤم. قال جار الله: السبب في البقرة ان كان في بني اسرائيل شيخ فقتلوه بنو اخيه ليرثوه فطرحوه على باب مدينة ثم جاؤوا يطالبون بدمه فأمرهم الله تعالى على لسان موسى أن يذبحوا بقرة، قيل: أقاموا يطلبون البقرة أربعين سنة وأراد الله ما أراد من غلاء هذه البقرة عليهم لأن رجلا صالحا خلفها لولده فبارك الله فيها حتى استغنى اليتيم، وقيل: وجدوا البقرة مع رجل كان بارا بوالدته، وقيل: مع رجل كان بارا بوالديه، وقيل: اشتروا البقرة بملء مسكها ذهبا. { لا فارض } الفارض المسنة وسميت فارضا لأنها فرضت أي بلغت. { ولا بكر } البكر: الفتية { عوان } العوان: النصف. { فاقع } هي أشد ما يكون من الصفرة. { لا ذلول } يعني بقرة غير ذلول لم تكن تحرث ولا لشيء. { مسلمة } سلمها الله تعالى من العيوب. { لا شية فيها } اي لا لمعة فيها من لون اخر سوى الصفرة فهي صفراء كلها حتى قرنها وظلفها. { قالوا الآن جئت بالحق } أي بحقيقة وصف البقرة. { فذبحوها } اي فحصلوا البقرة الجامعة لهذه الأوصاف فذبحوها. { وما كادوا يفعلون } قيل لغلاء ثمنها لأن صاحبها قال: لا يبيعها إلا بملء مسكها ذهبا، وقيل: لوزنها ، وقيل: ما كادوا يفعلون لخوف الفضيحة في ظهور القاتل، وقيل: لخشية العار. { وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها } فاختلفتم واختصمتم، وهو ما تقدم ذكره. { اضربوه ببعضها } اي ببعض البقرة، واختلفوا، فقيل: لسانها، وقيل: فخذها اليمنى، وقيل: الاذن، وقيل: غير ذلك. وروي أنهم لما ضربوه قام بإذن الله تعالى وأوداجه، تشخب دما، وقال: قتلني أبناء أخي فلان وفلان ثم سقط ميتا كما كان فقتلوهما به ولم يورث قاتل من ذلك اليوم. { ويريكم آياته } على انه قادر على كل شيء. { ثم قست قلوبكم } استعاد القسوة من بعد ذكر ما يوجب لين القلب ورقته { من بعد ذلك } أشار الى إحياء ذلك القتيل أو الى جميع ما تقدم من الآيات. { فهي كالحجارة } أي فهي في قسوتها مثل الحجارة. { أو أشد قسوة.. وان من الحجارة لما يشقق فيخرج منه الماء } فينبع منه الماء. { وإن منها لما يهبط } يتردى من أعلى الجبل، والخشية في الحجارة مجاز عن انقيادها لأمر الله تعالى.
[2.75-82]
{ أفتطمعون } الخطاب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين. { أن يؤمنوا لكم } اي يحدثون الايمان لأجل دعوتكم. { وقد كان فريق منهم } طائفة ممن سلف منهم. { يسمعون كلام الله } يعني ما يتلونه من التوراة ثم يحرفونه كما حرفوا صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وآية الرجم، وقيل: كان قوم من السبعين المختارين سمعوا كلاما حين كلم الله تعالى موسى بالطور وما أمر الله به ونهى ثم قالوا: سمعنا الله تعالى يقول في آخر كلامه: ان استطعتم ان تفعلوا هذه الاشياء فافعلوا وان شئتم فلا تفعلوا ولا بأس عليكم. { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا } الآية،
" نزلت في بني قريظة قال لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " يا اخوان القردة والخنازير " ، قالوا: من أخبر محمدا بهذا ما خرج إلا منكم "
عن مجاهد، وقيل: كان ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا فكانوا يحدثون المؤمنين بما عذب به أسلافهم، فقال بعضهم لبعض: أتقولون ذلك لهم ليقولوا نحن أكرم على الله منكم، وقيل: ان قوما من اليهود قالوا للشيخين أبا بكر وعمر: انا آمنا لأنا نعلم أنه نبي ونجد صفته في التوراة فلما خلوا الى رؤسائهم قالوا لهم: { قالوا أتحدثونهم بما } قص { الله عليكم } من صفة محمد لتكون الحجة عليكم لهم. { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني } والكتاب التوراة، الأماني ما هم عليه من أمانيهم من ان النار لا تمسهم الا اياما معدودة، وقيل: أكاذيب مختلفة. { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم } الآية، قيل: نزلت في أحبار اليهود وعلمائهم الذين حرفوا التوراة على العوام وذلك انهم عرفوا زوال رئاستهم فغيروا صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). { وويل لهم مما يكسبون } من الرشا. { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } قيل: أربعين يوما عدد أيام عبادة العجل، وقيل: كانوا يقولون مدة الدنيا عندهم سبعة آلاف سنة وانما نعذب مكان كل سنة يوما. { بلى } أي بلى تمسكم أبدا بدليل قوله تعالى: { هم فيها خالدون }. { من كسب سيئة } من السيئات يعني كبيرة من الكبائر. { وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } وسأل رجل الحسن عن الخطيئة فقال: " سبحان الله ألا أراك ذا لحية وما تدري ما الخطيئة انظر في المصحف فكل آية نهاك الله تعالى عنها واخبرك انه من عمل بها دخل النار فهي الخطيئة المحبطة ".
[2.83-88]
{ وقولوا للناس حسنا } قيل: هو عام في جميع الأفعال، وقيل: في بيان صفة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم } على طريق الالتفات أي توليتم عن الميثاق ورفضتموه. { إلا قليلا منكم } هم الذين أسلموا منهم. وأنتم معرضون وأنتم قوم عادتكم الاعراض عن المواثيق والتولية. { وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم } معناه لا يسفك بعضكم دم بعض، وقيل: اذا قتل غيره فكأنما قتل نفسه لأنه يقتص منه. { ولا تخرجون أنفسكم } لا يفعل ذلك بعضكم ببعض. { ثم أقررتم } بالميثاق واعترفتم على أنفسكم بلزومه. { وأنتم تشهدون } عليها كقوله: فلان مقر على نفسه بكذا. { ثم انتم هؤلاء تقتلون أنفسكم } قيل: ان الله عز وجل أخذ على اليهود عهودا منها ترك القتال، وترك الاخراج وترك المظاهرة، فأعرضوا عن كل ما أمر الله به إلا الفداء وهو قوله تعالى: { أفتؤمنون ببعض الكتاب } اي بالفداء. { وتكفرون ببعض } اي بالقتل والإجلاء وذلك ان بني قريظة كانوا حلفاء الأوس، والنضير حلفاء الخزرج، وكان كل فريق يقاتل مع حلفائه فإذا غلبوا خربوا ديارهم وأخرجوهم واذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه فعيرتهم العرب وقالت: كيف تقاتلونهم: ثم تفدونهم؟! فيقولون: أمرنا أن نفديهم وحرم علينا قتالهم ولكنا نستحيي أن نذل حلفاءنا. { فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا } والخزي هو قتل بني قريظة وأسرهم واجلاء بني النضير، وقيل: الجزية وانما رد من فعل ذلك منهم. { إلى أشد العذاب } لأن عصيانه أشد. { وما الله بغافل عما تعملون } قرئ بالياء والتاء. { أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب } يعني عذاب الدنيا بنقصان الجزية ولا ينصرهم احد بالدفع، وكذلك عذاب الآخرة. { ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل } يعني اتبعنا على اثره الكثير من الرسل يعني رسولا بعد رسول. { وآتينا عيسى ابن مريم البينات } المعجزات الواضحات والحجج كاحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص. { وأيدناه بروح القدس } قيل: يعني روحه وصفها بالطهارة، وقيل: الاسم الأعظم الذي كان يحي به الموتى عن ابن عباس، وقيل: بجبريل، وقيل: بالانجيل. { أفكلما جاءكم رسول } بالحق. { أستكبرتم } عن الإيمان { ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون } { وقالوا قلوبنا غلف } يعني مغطاة عما جاء به محمد (عليه السلام). { فقليلا ما يؤمنون } يعني إيمانا قليلا يؤمنون ويجوز أن يكون القلة بمعنى العدم.
[2.89-95]
{ ولما جاءهم كتاب من عند الله } وهو القرآن. { مصدق لما معهم } من كتابهم. { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا } يستنصرون على المشركين، نزلت الآية في بني قريظة والنضير اذا قاتلوهم قالوا: اللهم انصرنا بالنبي المبعوث آخر الزمان الذي نجد نعته وصفته في التوراة، فلما بعث من العرب ولم يكن منهم كفروا به وجحدوه كما قال تعالى: { فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين } فقال لهم معاذ بن جبل وبشير: يا معاشر اليهود اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد، ونحن اهل شرك، وتصفونه وتذكرونه أنه مبعوث، فقال سلام بن مشكم أخو بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه، وما هو الذي كنا نذكره لكم فنزلت الآية عن ابن عباس، وقيل: معناه تستفتحون تفتحون عليهم وتعرفونهم ان نبيا منهم يبعث قد قرب. { بئس ما اشتروا به انفسهم } يعني بئس شيئا اشتروا به انفسهم، والمخصوص بالذم { ان يكفروا } ، واشتروا بمعنى باعوا. { بغيا } حسدا، وطلبا لما ليس لهم. { ان ينزل الله من فضله } الذي هو الوحي. { على من يشاء } وتقتضي حكمته. { فباؤوا بغضب على غضب } فصاروا أحقاء بغضب مترادف لانهم كفروا بنبي الحق وبغوا عليه، وقيل: معنى فباؤوا بغضب على غضب الاول بكفرهم بعيسى ابن مريم والثاني بكفرهم بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتبديل نعته في كتابهم. { واذا قيل لهم آمنوا بما انزل الله قالوا نؤمن بما انزل علينا } ارادوا التوراة. { ويكفرون بما وراءه } وهو القرآن. { وهو الحق مصدقا لما معهم } غير مخالف له. { ولقد جاءكم موسى بالبينات } بالمعجزات. { ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون } وانتم عادتكم الظلم. { ورفعنا فوقكم الطور } وكرر رفع الطور لما نيط به من زيادة ليست مع الأولى مع ما فيه من التوكيد. { خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا } ما امرتم به. { قالوا سمعنا } قولك. { وعصينا } امرك. { وأشربوا في قلوبهم العجل } أي حبه، والحرص على عبادته، وقد تقدم الكلام فيه. { قل بئس ما يأمركم به إيمانكم } بالتوراة لأنه ليس في التوراة عبادة عجل. { قل إن كانت لكم الدار الاخرة عند الله خالصة } الآية نزلت في اليهود لما ادعوا انهم أبناء الله واحباؤه، وقولهم:
لن تمسنا النار إلا أياما معدودة
Shafi da ba'a sani ba