قوله تعالى: { لا نكلف نفسا إلا وسعها } طاقتها وسعتها { ونزعنا } أي أذهبنا { ما في صدروهم من غل } غش وحقد وعداوة، وقيل: هو الحسد { تجري من تحتهم الأنهار } أي من تحت أبنيتهم { وقالوا الحمد لله الذي هدانا } أي وفقنا وأرشدنا { لهذا } يعني لطريق الجنة { لولا أن هدانا الله } أي وفقنا { ونودوا أن تلكم الجنة } يناديهم مناد من جهة الله تعالى أن تلكم أي هذه { أورثتموها } أعطيتموها، وقيل: صارت لكم إرثا كما يصير المال الميراث لأهله، وقيل: ورثتم منازل الكفار التي حرموها لكفرهم، وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم):
" لكل مكلف موضع في الجنة فإذا كفر أعطي منزله المؤمن "
{ بما كنتم تعملون } فيقسم بين أهل الجنة منازلهم { قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا } من الثواب { فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا } من العقاب { قالوا نعم } وهو سؤال توبيخ وشماتة وتقرير وإلا فالجميع عالمون بذلك { فأذن مؤذن بينهم } أي نادى مناد من جهة الله تعالى أسمع الفريقين، قوله تعالى: { أن لعنة الله على الظالمين } يعني وجبت لعنة الله يعني عذابه { الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا } يعني يصدون عن دين الله ويطلبونها زيغا وميلا { وبينهما حجاب } أي بين الفريقين، قيل: بين أهل الجنة وأهل النار وهو السور المذكور، قوله تعالى: { فضرب بينهم بسور } { وعلى الأعراف رجال } وعلى ذلك الحجاب رجال وهو السور المضروب بين الجنة والنار وهي أعاليه، استعير من عرف الفرس أو عرف الديك فسمي أعرافا لارتفاعه، وقيل: لأن أهله يعرفون الناس { رجال يعرفون } أهل الجنة وأهل النار، قيل: هم ملائكة يرون في صور الرجال يعرفون أهل الجنة وأهل النار، وروي عن ابن عباس أن الأعراف موضع عال على الصراط عليه العباس وجعفر وحمزة وعلي (رضي الله عنهم) يعرفون محبيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسوادها، وقيل: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم { يعرفون كلا بسيماهم } أي يعرفون كل أحد بعلامته قيل: سيماء أهل الجنة ببياض الوجوه وحسن العيون وسيماء أهل النار بسواد الوجوه وزرقة العيون { لم يدخلوها وهم يطمعون } يعني أهل الأعراف، وقيل: أهل الجنة قبل أن يدخلوها وهذا طمع يقين، قوله تعالى: { أهؤلاء الذين أقسمتم } أهؤلاء استفهام والمراد التوبيخ واختلفوا في القائل: أهؤلاء الذين أقسمتم؟ فقيل: هم أصحاب الأعراف يقولون: أهؤلاء يعني أهل الجنة الذين أقسمتم حلفتم يا أهل النار انهم { لا ينالهم الله برحمة } ، وروي: أنهم ينادون على السور علي (عليه السلام) وأصحابه يا وليد يا أبا جهل يا فلان يا فلان ثم ينظرون إلى أهل الجنة فيرون الفقراء الذين كانوا يشتمون فقالوا: أهؤلاء الذين أقسمتم في الدنيا، وقيل: هو كلام أهل الجنة، وقيل: كلام الملائكة ثم يقال لأصحاب الجنة: { ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون }.
[7.50-56]
قوله تعالى: { ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة } أي سينادي، { أن أفيضوا علينا } أي صبوا وذكر لفظ الافاضة لأن أهل الجنة في أعلى مكان { قالوا } يعني أهل الجنة { إن الله حرمهما على الكافرين } وروي في تفسير الثعلبي عن ابن عباس أنه سئل: أي الصدقة أفضل؟ قال: الماء أما رأيت أهل النار بما استغاثوا بأهل الجنة فقالوا: أفيضوا علينا من الماء { الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا } وهو ما زين لهم الشيطان { وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم } نفعل لهم فعل الناسين الذين ينسون عبيدهم من الخير ولا يذكرونهم { كما نسوا لقاء يومهم هذا } يعني كما فعلوا بلقائه فعل الناسين له فلم يهتموا به { ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم } أي عالمين كيف نفصل أحكامه ومواعظه وقصصه وسائر معانيه { هل ينظرون إلا تأويله } يعني إلا عاقبة أمره وما يؤل إليه من تبيين صدقه وظهور صحة ما نطق به من الوعد والوعيد، قال قتادة: تأويله ثوابه، وقال مجاهد: جزاؤه، قوله تعالى: { إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام } من أيام الدنيا أولها الأحد وآخرها الجمعة، وإنما خلقها في ستة أيام لتشاهد الملائكة حدوث شيء بعد شيء، وقيل: ستة أيام من أيام الآخرة { ثم استوى على العرش } ، قيل: استولى، وقيل: أحدث خلق العرش كما قال تعالى: { ثم استوى إلى السماء } وقيل: العرش الملك، وهو في اللغة السرير { يغشي الليل النهار } أي يلحق الليل بالنهار ويلحق النهار بالليل { يطلبه حثيثا } أي سريعا { مسخرات بأمره } أي بارادته يعني أنها تجري على حسب ما يريد { ألا له الخلق والأمر } قوله تعالى: { ادعوا ربكم تضرعا وخفية } تضرعا تخشعا لله وتذللا في الدعاء وخفية قيل: سرا، وقيل: المتضرع والاخفاء السر يقول: ادعوه سرا وعلانية { إنه لا يحب المعتدين } ، قيل: هو الصياح بالدعاء، وقيل : هو الدعاء على المؤمنين { ولا تفسدوا في الأرض } بالشرك والمعصية والدعاء إلى عبادة غير الله تعالى بعد إصلاح الله إياها ببعث الرسل والامر بالحلال { وادعوه خوفا } من عقابه { وطمعا } في ثوابه بفعل الطاعات، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
" سيكون قوم يعتدون في الدعاء، وحسب المرء أن يقول اللهم إني أسألك الجنة وما يقرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما يقرب إليها من قول وعمل "
{ إن رحمة الله قريب من المحسنين } ، قيل: المحسنين أعمالهم، وقيل: المحسنين إلى الناس، وقيل: المحسنين إلى من أساء إليهم.
[7.57-64]
قوله تعالى: { وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته } أي يجريه ارسالا قدام رحمته وهو المطر { حتى إذا أقلت سحابا ثقالا } يعني بالمطر { سقناه لبلد ميت } يعني إلى البلد الميت { فأنزلنا به } يعني بالسحاب، وقيل: بالبلد { الماء } يعني المطر { كذلك نخرج الموتى } أي كما نخرج النبات بعد أن لم يكن، كذلك نخرج الموتى من الأرض، وروي في الثعلبي عن ابن عباس: إذا مات الناس في النفخة الأولى مطر عليهم أربعين عاما كمني الرجال من تحت العرش يدعى ماء الحيوان فينبتون من قبورهم بذلك كما ينبتون في بطون أمهاتهم، وكما ينبت الزرع من الماء { والبلد الطيب يخرج نباته } يعني الأرض الطيب ترابها { بإذن ربه } يعني بأمره { والذي خبث لا يخرج إلا نكدا } يعني والنكد الذي لا خير فيه، هذا مثل ضربه الله تعالى للكافر والمؤمن والمنافق، لأن المؤمن يخرج منه العمل الصالح وهو عبادة الله تعالى مثل البلد الطيب، والمنافق خبيث لا يخرج منه إلا العمل الخبيث كمثل الأرض السبخة الخبيثة التي لا يخرج نباتها وغلتها إلا نكدا { لقد أرسلنا نوحا إلى قومه } وهو نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ، وهو إدريس بن مهلايل بن نرد بن فينان بن أنوش بن شيث بن آدم (عليه السلام) قيل: بعث وهو ابن خمسين وقيل: بعث وهو ابن أربع مائة وثمانين سنة ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، ثم كان الطوفان وأغرق قومه، وهو ابن ألف وثلاثمائة وسبعين سنة، وعاش بعد الطوفان تسعين سنة، وهو أول نبي بعد إدريس وكان نجارا { إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم } وهو يوم القيامة، وقيل: يوم نزول العذاب وهو الطوفان الذي أهلكهم الله به { قال الملأ } الأشراف والسادة { انا لنراك في ضلال مبين } أي في ذهاب عن الطريق والصواب، وروي أن الله تعالى بعث نوحا إلى الخلق كافة فدعاهم إلى الله تعالى ألف سنة إلا خمسين عاما، وكانوا أصحاب أصنام وهي ما عد الله تعالى في سورة نوح: يغوث ويعوق ونسرا، فلما أيس من إيمانهم دعا عليهم فأمره الله تعالى باتخاذ السفينة، وروي أنه كان إذا صاح وهو بالمغرب سمعه من بالمشرق، قوله تعالى: { وأعلم من الله ما لا تعلمون } يعني أعلم من صفات الله تعالى يعني قدرته الباهرة وشدة بطشه على أعدائه، وأن بأسه لا يرد عن القوم المجرمين، وقيل: لم يسمعوا بقوم حل عليهم العذاب قبلهم وكانوا آمنين لا يعلمون ما علمه نوح (عليه السلام) بوحي الله تعالى إليه. { أو عجبتم } الهمزة للإنكار { أن جاءكم ذكر } موعظة { على رجل منكم } يعني على لسان رجل { ليذركم } عذاب الله إن لم تؤمنوا { ولتتقوا } أي ولكي تتقوا { فكذبوه فأنجيناه والذين معه } ، قيل: كان معه أربعون رجلا وأربعون امرأة، وقيل: تسعة بنوه سام وحام ويافث وستة ممن آمن به { إنهم كانوا قوما عمين } عمي القلوب غير مستبصرين.
[7.65-72]
Shafi da ba'a sani ba