[6.140-141]
{ قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم } قيل: انها نزلت في ربيعة ومضر وغيرهم ممن دفن بناته خوف الفقر والسبي، وروي أن قيس بن عاصم قتل من بناته سبعين بنتا فسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك فقال: هل لي من توبة؟ فقال له أبو بكر: لم قتلتهن؟ فقال: لا ينكحهن سفلة مثلك { وحرموا ما رزقهم الله } قيل: هو الحرث الذي زعموا أنه حجر، وقيل: الأنعام، وقيل: السائبة والوصيلة والحام { افتراء على الله } كذبا حيث قالوا: ان الله تعالى أمرهم بذلك { وهو الذي أنشأ } أي اخترع { جنات معروشات } أي مرفوعات بدعائم مسموكات { وغير معروشات } متروكات على وجه الأرض لم يعرش، وقيل: ما عرشه الناس من الكرم وغير معروشات ما خرج من البراري والجبال من الثمار والأشجار، وعن ابن عباس: معروشات ما انبسط على وجه الأرض وانتشر مما يعرش مثل الكرم والقرح والبطيخ وهي معروشات الكرم منها خاصة منها ما عرش ومنها ما لم يعرش وقرأ علي (عليه السلام) مغروسات بالغين والسين المهملة { والنخل والزرع مختلفا أكله } في اللون والطعم الحلو والحامض { والزيتون والرمان متشابها } في المنظر { وغير متشابه } في المطعم { وآتوا حقه يوم حصاده } أي وقت قطع الزرع، وقيل: غير الزكاة وقال مجاهد: إذا حصدت فحضرك المساكين فاطرح لهم منه { ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } والآية نزلت في ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري أدخل المساكين على نخل له وكانت خمسمائة فأتوا على جميعها وعاد عليه من ذلك مكروه، وقيل: لا تسرفوا بأن تضعوه في غير موضعه، وقيل: لا تسرفوا بالأكل قبل الحصاد كي لا تؤدي إلى بخس حق الفقراء.
[6.142-145]
قوله تعالى: { ومن الأنعام حمولة وفرشا } أي وأنشأ من الأنعام ما تحمل الأثقال وما يفرش للذبح، وما ينسج من وبره وصوفه وشعره للفرش، وقيل: الحمولة الكبار الذي تصلح للحمل والفرش الصغار كالفصلان والغنم والعجاجيل { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } في التحليل والتحريم من عند أنفسكم كما فعل أهل الجاهلية ثم بين الحمولة والفرش، فقال تعالى: { ثمانية أزواج } أي وأنشأنا من الأنعام ثمانية أزواج يريد الذكر والأنثى كالجمل والناقة والثور والبقرة والكبش والنعجة والتيس والعنز،وروي أنه أتى مالك بن عوف الجشمي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد نزول هذه الآيات وكان رجلا ذا رأي فقال: يا محمد انك تحرم أشياء كانت أباؤنا تحللها وتحل أشياء كانت تحرمها فلم ذلك؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم):
" من قبل الذكر أم من قبل الانثى أم من قبل ما اشتملت عليه أرحام الانثيين؟ "
فسكت مالك ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) { قل } يا محمد { آلذكرين حرم ام الانثيين } يعني ذكر الضأن والمعز حرمهما الله تعالى أو أنثاهما فان كانت الذكور حرمهما في مواكل ذكر وان كانت الأنوثة فحرموا كل انثى { أما اشتملت عليه أرحام الانثيين } وهو النعاج والماعز أم حرم ما خصهما الرحم من الانثيين ولا تشتمل الرحم إلا على اما ذكر أو انثى فلم تحرمون بعضا وتحلون بعضا؟ { نبئوني بعلم } أي أخبروني بأمر معلوم من جهة الله تعالى يدل على تحريم ما حرمتم { ان كنتم صادقين } في ان الله تعالى حرمه، وكانوا يقولون ان الله حرم هذا الذي نحرمه فقال تعالى: { أم كنتم شهداء } على معنى عرفتم الوصية مشاهدين على أنكم لا تؤمنون بالله ورسوله { فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا } ينسب إليه تحريم ما لم يحرم { ليضل الناس بغير علم } وهو عمرو بن لحي الذي بحر البحائر وسيب السوائب ثم بين سبحانه المحرمات فقال: { قل } يا محمد { لا أجد فيما أوحي إلي محرما } أي شيئا محرما { على طاعم يطعمه } أكل يأكله، قوله تعالى: { إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا } أي مصبوبا كدم العروق فأما الكبد والطحال فدم جامد غير مسفوح، وكذا الدم الذي يخالط اللحم فليس بمسفوح { أو لحم خنزير فانه رجس } اي نجس خبيث حرام { أو فسقا } معصية { أهل لغير الله به } يعني ما ذبح وذكر عنده اسم الأوثان { فمن اضطر } قيل: بلغ الضرورة في المجاعة { غير باغ } طالب التلذذ بأكله { ولا عاد } مجاوز قدر حاجته { فان ربك غفور رحيم }.
[6.146-152]
{ وعلى الذين هادوا حرمنا } الآية قيل: ان العرب قالوا: انا علمنا تحريم السائبة من أهل الكتاب فأكذبهم الله تعالى وبين ماحرم على اليهود ونزلت { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر } هو ما لم يكن مشقوق الأصابع من البهائم والطيور مثل الإبل والنعام والأوز والبط وكذلك شحوم البقر والغنم إلا ما استثنى وهو ما على الظهر { أو الحوايا } قيل: هي الامعاء التي عليها الشحم { أو ما اختلط بعظم } مثل شحم الالية { ذلك } التحريم { جزيناهم ببغيهم } بظلمهم عقوبة لهم بقتل الانبياء وصدهم عن سبيل الله واخذهم الربا واستحلالهم أموال الناس، قوله تعالى: { سيقول الذين اشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا ءاباؤنا } وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم يعنون بكفرهم وتمردهم ان شركهم وشرك ابائهم وتمردهم وتحريم ما احل الله تعالى بمشيئته وارادته لولا مشيئته لم يكن شيء من ذلك وهذا مذهب المحبرة بعينه { كذلك كذب الذين من قبلهم } أي جاؤوا بالكذب لأن الله تعالى ركب في العقول وانزل في الكتب مادل على عباده وبراءته من مشيئة القبائح واخبرت الرسل بذلك { حتى ذاقوا بأسنا } يعني حتى أنزلنا عليهم العذاب بتكذيبهم { قل هل عندكم من علم } يعني من معلوم يصح الاحتياج به فيما قلتم { فتخرجوه لنا } وهذا امر آلهتكم { ان تتبعون إلا الظن } من غير علم ولا يقين { وان انتم إلا تخرصون } تكذبون في هذه المقالة { قل فلله الحجة البالغة } يعني الكافية على خلقه { فلو شاء لهداكم أجمعين } يعني لو شاء لألجأهم إلى ذلك قسرا { قل } يا محمد { هلم شهداءكم } أي احضروا شهداءكم على ما ادعيتم { الذين يشهدون ان الله حرم هذا } وقيل: احضروا حجتكم على ما قلتم { فإن شهدوا فلا تشهد معهم } يعني لا تسلم لهم ما شهدوا به ولا تصدقهم لأنه إذا سلم فكأنه شهد معهم { ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا } الآية، وقوله: { يعدلون } أي يشركون، قوله تعالى: { ألا تشركوا به شيئا } احكام هذه الآيات الظاهرة من قوله تعالى: { اتل ما حرم ربكم عليكم } إلى قوله تعالى: { وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون } { وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه } عن إبن عباس هذه الآيات محكمات لم ينسخهن شيء من جميع الكتب، وقيل: هن أم الكتاب من عمل بهن دخل الجنة ومن تركهن دخل النار، وعن كعب الأحبار: والذي نفس كعب بيده ان هذه الآيات لأول شيء في التوراة { ولا تقتلوا أولادكم } أي لا تدفنوا بناتكم { من إملاق } يعني خوف الفقير { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن } أي ما أعلنتم وما أسررتم { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق } وهي كل نفس مؤمنة أو معاهدة إلا بالحق يعني ما أباح قتلها وهو الارتداد والقصاص والرجم ذلك المذكور لكم { وصاكم به لعلكم تعقلون } { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } أنفع وأعدل، وقيل: حفظ ماله إلى أن يكبر فيسلم إليه { وإذا قلتم فاعدلوا } أي أصدقوا في مقالتكم { ولو كان ذا قربى } أي ذا قرابة منكم { وبعهد الله أوفوا } ، قيل: عهده في فرائضه وما أوجب عليكم فافعلوا، وقيل: ما أوصى به في هذه الآيات.
[6.153-158]
قوله تعالى: { وان هذا صراطي مستقيما } مستويا { ولا تتبعوا السبل } وهي الطرق المختلفة في الدين من اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر البدع والضلال { فتفرق بكم عن سبيله } يعني إذا تركتم طريق الجنة يفتح عليكم الباطن { ذلكم } الذي تقدم ذكره { وصاكم به لعلكم تتقون } { ثم آتينا موسى الكتاب } يعني ثم قل لهم يا محمد آتينا موسى الكتاب لأن موسى قبل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل: ثم بمعنى الواو وآتينا موسى الكتاب لأنه حرف عطف { تماما على الذي أحسن } يعني تماما على احسان الله تعالى الى أنبيائه. وقيل: تماما لكرامته في الجنة على احسانه في الدنيا، وقيل: تقديره من أحسن في الدنيا تمت عليه كرامة الله في الآخرة، وقيل: تماما على إحسان الله تعالى إلى موسى بالنبوة وغيرها { وتفصيلا } يعني بيانا { لكل شيء } يحتاج إليه من شرائع الدين { وهدى } يعني القرآن { كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه } واعملوا بما فيه { إن تقولوا } يعني لئلا تقولوا { إنما أنزل الكتاب على طائفتين } يعني أن تقولوا يا أهل مكة إنما أنزل الكتاب على طائفتين { من قبلنا } يعني اليهود والنصارى { وان كنا عن دراستهم } يعني قراءتهم الكتب { لغافلين } { او تقولوا } يا أهل مكة { لو أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم } اهدى من الطائفتين إلى الحق تعالى { فقد جاءكم بينة } أي حجة وبيان يعني القرآن { فمن أظلم } أشد ظلما وعدوانا وأخطاء فعلا { ممن كذب بآيات الله } جحد بها يعني القرآن ومن آياته وهو محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) { وصدف عنها } يعني أعرض { سنجزي الذين يصدفون } يعرضون { عن آياتنا } وحجتنا مكذبين بها { سوء العذاب } أشده { بما كانوا يصدفون } أي يعرضون عن محمد والقرآن { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة } قيل: ملائكة الموت، وقيل: ملائكة العذاب { أو ياتي ربك } يعني أمر ربك { أو يأتي بعض آيات ربك } يعني طلوع الشمس من مغربها { يوم يأتي بعض آيات ربك } اراد تأتي القيامة والهلاك الكلي، وبعض الآيات أشراط الساعة كطلوع الشمس من المغرب وغير ذلك،
Shafi da ba'a sani ba