أدركنا بلطفك يا خفي الألطاف.
ثم لما بين سبحانه أحكام المواريث وأحكام أحوال المتوارثين، وعين سهامهم وأنصباءهم، أراد أن يحذر المؤمنين عن الزنا التي هي هتك حرمة الله الموضوعة بين الإزواجات الحبية الإلهية، واختلاط الأنساب المصححة للأحكام المذكورة، وبالجملة: هي الخروج عن السنة الإلهية التي سنها بين عباده على طريق الحكمة والمصلحة الإلهية الصالحة، والمصلحة لأصل فطرتهم التي خلقوا عليها، هي التوحيد الذاتي.
والزنا يتصور بين المرء والمرأة الأجنبية المحرمة؛ لذلك قدم سبحانه أمر النساء، وبين أحكامهن وأحال حكم الرجال على المقايسة؛ لقباحتها وشناعتها، كأنه استبعد سبحانه عن أهل الإيمان أمثال هذه الآثام والجرائم العظام الأخر الناقصات؛ ولأنهن في أنفسهن شباك شياطين، يصطادون بهن ضعفاء المؤمنين وأقوياءهم أيضا، على ما نطق به حديث النبي - صلوات الله على قائله -:
" ما آيس الشيطان من ابن آدم إلا ويأتيهم من قبل النساء ".
[4.15-17]
{ واللاتي يأتين الفحشة } الفعلة القبيحة التي هي الزنا، وهن { من نسآئكم } وفي حجركم ونكاحكم، فأخبرتم بها - العياذ بالله - فعليكم في تلك الحالة ألا تبادروا إلى رميها ورجمها، بل { فاستشهدوا } اطلبوا الشهداء من المخبر؛ ليشهدوا { عليهن } بالزنا، والمعتبر أن يكون { أربعة منكم } أي: من عدول، رجالكم، بشرط ألا يسبق منهم تحبسس وترقب، بل وقع منهم النظر بغتة على سبيل الاتفاق، فيرون ما يرون، كالميل في المكحلة، مستكرهين، مستعجبين.
{ فإن شهدوا } هؤلاء الشهود على الوجه المعهود، فعليكم أيها المؤمنون، المستحفظون لحدود الله ألا تضطروا، ولا تستعجلوا في مقتهن وإخراجهن، بل عليكم الإمساك { فأمسكوهن في البيوت } التي أنتم فيها بلا مراودة إليهن؛ كيلا يلحق عليكم بالإخراج عار آخر، بل اتركوهن فيها { حتى يتوفاهن الموت } الطبيعي { أو يجعل الله } أي: يحكم الله { لهن } أي: في حقهن { سبيلا } [النساء: 15] حكما مبرما، هذا في بدء الإسلام، ثم نسخ بآية الرجم والجلد.
{ واللذان يأتيانها } أي: الفعلة القبيحة التي هي اللواطة، وهما الآتي والمأتي { منكم } أيها الرجال وهذا أفحش من الزنا؛ لخروج كل منهما عن حد الله، وانحطاطهما عن كمال الإنسان؛ لارتكابهما شئا لا يقتضيه العقل والشرع بخلاف الزن، ولشناعها وخباثتها لم يعين لها سبحانه حدا في كتابه المبين لأخلاق الإنسان، كأن هؤلاء ليسوا من الإنسان، بل من البهائم، بل أسوأ حالا منها، لذلك قال: { فآذوهما } إيذاء بليغا، وتعزيزا شديدا حتى يمتنعوا { فإن تابا } وامتنعا { وأصلحا } ما أفسد بالتوبة والندامة { فأعرضوا عنهمآ } متغفرين لهما من الله، مستشفعين عنهما، غير موبخين ومقرعين عليهما { إن الله } المطلع لأحوال عباده المذنبين { كان توابا } لهم، يرجعهم عما صدر عنهم نادمين { رحيما } [النساء: 16] يعفو عنهم.
ثم قال سبحانه: { إنما التوبة } أي: ما التوبة المبرورة المقبولة إلا التوبة الناشئة من محض الندامة المتفرعة على تنبيه القلب عن قبيح المعصية، وهي المصححة، الباعثة { على } قبول { الله } إياها، النافعة { للذين } أي: للمؤمنين الذين { يعملون السوء } الفعلة الذميمة لا عن قصد وروية، بل { بجهالة } عن قبحه ووخامة عاقبته { ثم } لما تأملوا وأدركوا قبحها { يتوبون } يبادرون إلى التوبة والرجوع { من } زمان { قريب } أي: قبل الانتهاء إلى وقت الإلجاء { فأولئك } التائبون، المبادرون على التوبة قبل حلول الأجل { يتوب الله عليهم } أي: يقبل توبتهم بعدما وفقهم عليها، ولقنهم بها { وكان الله } المطلع على ضمائرهم { عليما } بمعاصيهم في سابق علمه { حكيما } [النساء: 17] في إلزام التوبة عليهم ليجبروا بها ما انكسروا على نفوسهم.
[4.18-19]
Shafi da ba'a sani ba