{ قل } لهم يا أكمل الرسل بعدما اقترحوا عليك وألحوا: { عسى } أي: دنا وقرب { أن يكون ردف لكم } أي: تبعكم ولحقكم، واللام للتوكيد { بعض } العذاب { الذي تستعجلون } [النمل: 72] نزوله وحلوله فلحقهم، وهو عذاب يوم بدر.
{ و } سيلحقهم عن قريب كلها أيضا، لكن من سنته سبحانه إمهال عباده زمانا؛ رجاء أن ينتبهوا، ويتوبوا عما أصروا عليه { إن ربك } يا أكمل الرسل { لذو فضل } عظيم ورحمة واسعة شاملة { على } جميع { الناس } الناسين سوابق عهودهم مع الله المدبر لأحوالهم { ولكن أكثرهم لا يشكرون } [النمل: 73] نعمة الإمهال؛ حتى يخلصوا من نقمته وعذابه؛ لذلك لحقهم ما لحقهم من العذاب.
ومن جملة كفرانهم بنعم الحق: إنهم أرادوا أن يخدعوا مع الله ورسوله، ولا يشكروا لنعمه الإرسال والإرشاد، بل ينكروا عليها في نفوسهم، ويظهروا على الناس أنهم مؤمنون مع أنهم ليسوا كذلك؛ وقصدوا بذلك التلبيس والخداع، ولا ينفع لهم هذا.
{ وإن ربك } يا أكمل الرسل { ليعلم } بعلمه الحضوري { ما تكن } وتخفي { صدورهم وما يعلنون } [النمل: 74] ويظهرونه من إيمان وكفر، وفساد وصلاح، وعهد ونقض؛ إذ لا يخفى عليه سبحانه شيء من أحوال عباده، وما جرى عليهم في ظواهرهم وبواطنهم.
{ و } كيف يخفى عليه شيء من أحوالهم؛ إذ { ما من غآئبة في } طي { السمآء } و { والأرض } حتى النقير والقطمير، وما يعقل ويحس به، ويعبر عنه ويومئ إليه، ويرمز نحوه إلى ما شاء الله { إلا } مثبت محفوظ { في كتاب مبين } [النمل: 75] هو لوح القضاء وحضرة العلم الإلهي الذي فصل فيه جميع ما كان ويكون أزلا وأبدا؛ بحيث لا يشذ عن حيطته ما من شأنه أن يعلم ويحس به.
[27.76-80]
ومما يدل عليه، وعلى حيطة حضرة علمه الكتب الإلهية النازلة من عنده سبحانه المنتخبة من حضرة علمه ولوح قضائه، سيما القرآن { إن هذا القرآن } من كمال جمعيته وإحاطته { يقص } أي: يظهر ويبين { على } علماء { بني إسرائيل أكثر } الامور والشأن { الذي هم فيه يختلفون } [النمل: 76] من الأمور المتعلقة لدينهم وملتهم.
{ وإنه } في نفسه { لهدى } هاد موصل إلى طريق التوحيد { ورحمة } نازلة { للمؤمنين } [النمل: 77] الموحدين المحمديين من قبل الحق؛ ليهديهم إلى وحدة ذاته ويوصلهم إلى غاية ما جبلوا لأجله من المعرفة والتوحيد.
{ إن ربك } يا أكمل الرسل { يقضي بينهم } أي: بين المختلفين من بني إسرائيل { بحكمه } المستنبط من حكمته المتقنة { و } كيف لا { هو العزيز } الغالب في أحكامه المبرمة { العليم } [النمل: 78] في حكمته المتقنة المتفرعة على عدالته الحقيقية.
وإن كذبوك يا أكمل الرسل وكتابك، وجادلوا معك مراء ومكابرة { فتوكل على الله } المتكفل لحفظك وحضانتك { إنك } في أمر دينك وكتابك ورسالتك وهدايتك، وفي جميع ما جئت به من قبل ربك { على الحق } والصدق الذي لا يأتيه الباطل والكذب من بين يديه ولا من خلفه { المبين } [النمل: 79] الظاهر حقيته عند ذوي البصائر وأولي الألباب المستكشفين عن لب الأمور، المعرضين عن قشورها، فإن أعرضوا عنك ولم يقبلوا إرشادك وهدايتك لا تبال بهم وبإعراضهم وانصرافهم؛ إذ هم أموات عند التحقيق لا حياة لهم حقيقة.
Shafi da ba'a sani ba