462

[25.4-8]

{ و } بعدما أنزلنا القرآن الفرقان على عبدنا؛ ليهدي التائهين بيداء الغفلة والضلال { قال الذين كفروا } بالله، وأعرضوا عما جاء من عنده، ولتكميل الناقصين: { إن هذا } أي: ما هذا الذي جاء به هذا المدعي { إلا إفك } كذب يصرف عن الحق ويلبس الباطل بصورته؛ لأنه { افتراه } أي: اختلقه عن عمد، ونسبه إلى الوحي تغريرا وترويجا لأمره { و } مع ذلك { أعانه عليه } ولقن له فحواه { قوم آخرون } وهم أحبار اليهود، وبعدما سمع فحواه منهم، عبر عنه بلفظ فصيح، وأفرغه في قالب بليغ، فأتى به على الناس، ولقبه الفرقان المعجز، والقرآن البرهان المثبت المنزل عليه من ربه بطريق الوحي والإلهام؛ ترويجا لمفترياته وتقريرا للناس على قبولها { فقد جآءوا } أي: أولئك المسرفون المفرطون بجعل القرآن الفرقان المعجز - لفظا ومعنى - إفكا صرفا وافتراء محضا { ظلما } خروجا فاحشا عن حد الاعتدال { وزورا } [الفرقان: 4] قولا كذبا، وبهتانا ظاهرا متجاوزا ع الحد، مسقطا للمروءة سقوطا تاما؛ إذ نسبة هذا الكتاب الذي

لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه

[فصلت: 42] إلى أمثال هذه الخرافات التي جاءوا بها أولئك الجهلة بشأنه في غاية الظلم والزور ونهاية المراء والغرور.

{ وقالوا } أيضا في حق هذا الكتاب ما هو أفحش منه، وأبعد من شأنه بمراحل، وهو: إنه { أساطير الأولين } أكاذيب سطرها المتقدمون فيما مضى، وهو { اكتتبها } أي: استنسخها من حبر ، وكتبها له كاتب، وبعدما أخذ سوداها { فهي } الأساطير المذكورة { تملى } وتقرأ { عليه } أي: على محمد صلى الله عليه وسلم { بكرة وأصيلا } [الفرقان: 5] أي: غداة وعشيا على سبيل التكرار ليحفظها؛ إذ هو أمي لا يقدر على أن يكرر من الكتاب، وبعدما حفظها، قرأها على الناس مدعيا أنها موحى من عند الله، أنزلها عليه ملك سماوي اسمه جبرائيل، أو تملى عليه على سبيل التعليم ليكتب لنفسه.

{ قل } يا أكمل الرسل بعما سمعت مقالهم، وتفرست حالهم في العتو وأنواع الإنكار والفساد: { أنزله } أي: الفرقان علي مع أني أمي كما اعترفتم، لا قدرة لي على الإملاء فكيف على الإنشاء العليم؟! { الذي يعلم } بعلمه الحضوري { السر } المكنون والحكمة الكامنة { في } أشكال { السماوات و } أقطار { الأرض } ولهذا أعجزكم بكلامه هذا عن آخركم مع أنكم من ذوي اللسن والفصاحة، وأعلى طلبقات البلاغة والبراعة، فعجزتم عن معارضته؛ ومع ذلك ما تستحيون أيها المسرفون المفرطون نسبتم إليه ما هو بريء عنه، بنسبتكم هذه استوجبتم العذاب والعقاب عاجلا وآجلا، إلا أنه سبحانه أمهلكم رجاء أن تتنبهوا بسوء صنيعكم هذا، فترجعوا إليه سبحانه تائبين نامين، فيغفر لكم ما تقدم من ذنوبكم، ويرحمكم بقبول توبتكم { إنه } سبحانه في ذاته { كان غفورا } للأوابين التوابين { رحيما } [الفرقان: 6] للمتندمين المخلصين.

وبعدما أفرطوا في طعن الكتاب المنزل والقدح فيه، ولم يقصروا على طعنه وقدحه، بل أخذوا في طعن من أنزل إليه حسب عداوتهم وشدة شكيمتهم وضغينهم معه، { وقالوا } مستهزئين متهكمين: { مال هذا الرسول } يدعي الرسالة والنبوة مع أنه لا يتميز عن العوام { يأكل الطعام } كما نأكل { ويمشي في الأسواق } لضبط أمور معاشه كما نمشي، فما مزيته علينا وامتيازه عنا حتى يكون رسولا؟ وإن كان صادقا في دعوى نزول الملك إليه بالوحي { لولا أنزل إليه ملك } ظاهرا بلا سترة حتى نراه ونعاين به، ونؤمن له بلا تردد { فيكون معه نذيرا } [الفرقان: 7] أي: يكون الملك المنزل ردءا له في إنذارنا وتبليغ الدعوة إلينا.

{ أو } هلا { يلقى إليه } من قبل ربه { كنز } فيستغني به عن الخلق، فتتبعه طعما للأحاسن { أو } هلا { تكون له جنة } موهوبة له من ربه فيها أنواع الثمرات والفواكه { يأكل منها } رغدا ويترفه بها أمدا، وبالجملة: ما له هذا ولا ذاك ولا ذلك، فمن أين نصدق برسالته، وبأي شيء نعتقده نبيا؟ { و } بعدما بالغوا في قدحه وإنكاره وأفرطوا في استهزائه وسوء الأدب معه صلى الله عليه وسلم، وبالجملة: { قال الظالمون } المنكرون المستكبرون على سبيل الذب، والإعراض لضعفاء الأنام عن متابعته صلى الله عليه وسلم: لو صدقتم أيها الناس وآمنتم به من أنكم سمعتم أنه لا مزية له عليكم، ولا امتياز بينه وبينكم { إن تتبعون } أي: ما تتبعون حينئذ، وتؤمنون { إلا رجلا مسحورا } [الفرقان: 8] مجنونا سحر له، فجن واختل عقله وكل فهمه، لذلك تكلم بكلام المجانين، فعجز عن معارضته العقلاء؛ إذ العقل قاصر عن مموهات الوهم وتسويلات الخيال.

[25.9-12]

{ انظر } يا أكمل الرسل { كيف ضربوا لك الأمثال } هؤلاء الضلاال بعدما عجزوا عن معارضتك، وتاهوا في كمال رشدك وهدايتك، وكيف توغلوا في الحيرة عن مدركاتك، حتى تشبثوا بأمثال هذه الخرافات والهذايانات البعيدة عن علو شأنك وسمو رتبتك وبرهانك، وبالجلمة: { فضلوا } وتحيروا، وانسحرت عقولهم عن الوصول إلى كمال مدركاتك وأنواع هداياتك { فلا يستطيعون سبيلا } [الفرقان: 9] إليها لتعاليها عن مداركهم وعقولهم، فنسبوك إلى ما لا يليق بجنابك عنادا واستكبارا.

Shafi da ba'a sani ba