343

[17.59-66]

{ وما منعنآ أن نرسل بالآيات } أي: ما صرفنا عن إرسال الآيات المقترحة عنك يا أكمل الرسل والإتيان بها { إلا أن كذب بها } وبأمثالها { الأولون } أي: الأمم الماضون بعد إتيان ما اقترحوا عتوا وعنادا، فاستأصلناهم بتكذيبهم؛ إذ من سنتنا القديمة وعادتنا المستمرة استئصال المقترحين المكذبين على أنبيائنا بعد إتيانهم بمقترحاتهم، فلو حصل مقترحات هؤلاء المقترحين أيضا ليكذبوك ألبتة، فلزم علينا حينئذ إهلاكهم واستئصالهم على مقتضى سنتنا المستمرة، لكن مضى حكمنا ألا ننتقم من مكذبيك في النشأة الأولى؛ لأن منهم من يؤمن ومنهم من يولد مؤمنا، لذلك ما جئنا بمقترحاتهم.

{ و } اذكر لهم إن كانوا شاكين مترددين فيما ذكرنا بعض قصص الأمم الماضية المشهودة في الآفاق، وذكرهم كيف { آتينا ثمود الناقة } المقترحة حين اقترحوا على نبينا صالح عليه السلام بإخراجها من الحجر المعين، فأخرجها منه بإذن الله وقدرته، حال كون أعينهم { مبصرة } خروجها منه، ومع ذلك { فظلموا بها } أي: بالناقة بعدما أمرهم سبحانه بمحافظتها ورعايتها على لسان صالح، فكذبوه قعقروها، واستأصلناهم لأجلها، وأمثالها من الأمم الهالكة بتكذيبهم بعد إتيان ما اقترحوا أكثر من أن يحصى.

{ و } بالجملة: { ما نرسل } ونأتي { بالآيات } المقترحة { إلا تخويفا } [الإسراء: 59] من نزول العذاب المهلك المستأصل على المقترحين.

{ و } اذكر للمؤمنين وقت { إذ قلنا } موحيا { لك } مسليا عليك: لا تحزن من كثرة عدد عودك وعددهم، ولا تخف من شوكتهم { إن ربك } الذي اصطفاك من البرية للرسالة العامة قد { أحاط بالناس } إحاطة الظل بأظلالها، فهم مقهورون تحت قبضة قدرته يفعل بهم حسب إرادته ومشيئته، فامض على ما أمرت بلا خوف وتردد فلك الاستيلاء والغلبة.

{ و } أيضا { ما جعلنا الرءيا التي أريناك } حين نزولك ماء بدر، وأصبحت تقول مشيرا بإصبعك: " هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان " فأخبر قريش بقولك وإشارتك إلى مصارعهم، فاستهزءوا معك واستبعد بعض المؤمنين أيضا { إلا فتنة } واختبارا { للناس } هل يؤمنون بك ويصدقون قولك، أم يكذبونك وينكرون بك.

ثم لما وقع الأمر على الوجه الذي أريت في منامك، اطمأن المؤمنون وازدادوا يقينا وإخلاصا، وجحد الكافرون وأزدادوا شقاقا ونفاقا، ونسبوا أمرك هذا إلى السحر والكهانة الرجم بالغيب عنادا ومكابرة.

{ و } أيضا ما جعلنا { الشجرة الملعونة } المكروهة التي يلعنها كل من يذوقها ويطعمها، وهي الزقوم المنبت على أدوية الجحيم؛ لذلك لعنت { في القرآن } حتى يحترز المؤمنون عن الأعمال المقربة إليها الموجبة لأكلها إلا قتنة وابتلاء للناس، لذلك لما سمعت قريش شجرة الزقوم، جعلوها منشأ الهزل والسخرية مع الرسول صى الله عليه وسلم حتى قال أبو جهل: إن محمدا يخوفنا عن نار تحرق الحجارة، ويزعم أنها تنبت الشجرة، وقد علمتم أن النار تحرق الشجر، وما هي إلى قرية بلا مرية.

ثم اعلم أن الأمور الدينية كلها تعبدي، فلو ظهر لما وجه عقلي فيها ولو لم يظهر، لزم الإطاعة والانقياد على سبيل التعبيد والتسليم من الصادق المصدوق، مع أن نبت الشجر في النار، مما لا يمتنع عقلا أيضا؛ لأن وجود الحيوان في النار أبعد من وجود النبات فيها.

وحكاية الدويبة التي يقال لها: السمندل، هي تعيش في النار كالسمك في الماء متى خرجت منها ماتت، واتخاذ الناس من شعرها منديلا متى اتسخت، طرحت على النار فأحرقت، وأخرجت سالمة نظفية منها، مشهورة معروفة، لا شك في وقوعها.

Shafi da ba'a sani ba