271

{ و } كيف لا نوفي العذاب على المشركين { لقد آتينا } من عظيم جودنا { موسى الكتاب } أي: التوراة حين فشا الجدال والمراء والكفر والفسوق بين بني إسرائيل واضمحلت العدالة الإلهية بالكلية { فاختلف فيه } مثل اختلافهم في كتابك الذي هو أفضل الكتب علما وإحاطة، وأجمعهم حكما، وأشملهم معرفة، وأكملهم حقيقة وكشفا { ولولا كلمة سبقت من ربك } في أنظار هؤلاء الكفرة وإمهالهم إلى يوم القيامة { لقضي } أي: حكم ورفرق { بينهم } الآن، بحيث يتميز المحق من المبطل، فليلحق المبطلين وبال ما صنعوا، فهلكوا كما هلكوا { وإنهم } أي: كفار قوموك، من غاية انهماكهم في الغفلة وتماديهم في العناد والاستكبار { لفي شك } أي: من أمر القرآن مع أنهم عارضوا معه مرارا فأفحموا { منه مريب } [هود: 110] موقع المريب الشك للخرفاء المنحطين عن التأمل في مرمزاته والتدريب في إشارته.

{ وإن كلا } أي: كلا من المؤمنين المحقين والمبطلين الكافرين، والله { لما ليوفينهم } ويوفون عليهم بلا زيادة وتنقيص؛ إظهارا للقدرة الكاملة والعدالة التامة الشاملة { ربك } الذي أظهرهم من كتم العدم بلا سبق مادة ومدة { أعمالهم } أي: أجورها وجزاءها، إن خيرا فخير وإن شرا فشر { إنه } سبحانه بذاته وأوصافه وأسمائه { بما يعملون } من الخير والشر والصلاح والفساد والعبادة وتركها { خبير } [هود: 111] على وجه الحضور، لا تغ يب عنه غائبة ولا تخفى عنه خافية.

ومتى تلطفت يا أكمل الرسل بخبرة الحق وحضوره، وتنبهت تنبيها وجدانيا حضوريا وانكشفت بها انكشافا عينيا شهوديا { فاستقم } أي: فاعتدل في أوصافك و أفعالك وأقوالك { كمآ أمرت } من ربك بوحيه عليك وإلهامه إليك، وأمر أيضا بالعدالة والاستقامة { ومن تاب معك } وآمن لك واتخذ طريقط مسلكا إلى الحق { و } بالجملة: { لا تطغوا } أي: لا تميلوا ولا تخرجوا أيها المتحققون بحقية التوحيد واستقامة صراطه ولا تنحرفوا عن سبيل السلامة التي هي جادة الشريعة والمصطفوية أصلا { إنه } سبحانه بذاته { بما تعملون } من جميع الأعمال الموجبة للعدالة والانحراف { بصير } [هود: 112] لا يخفى عليه شيء.

ولصعوبة الامتثال بهذه الآية الكريمة قال صلى الله عليه وسلم:

" شيبتني سورة هود ".

وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: " هذه الآية قصمت ظهور أنبياء الله وأوليائه ".

{ ولا تركنوا } أي: لا تميلوا ميلة ولا تلفتوا التفاتا قليلا أيها المستوون على صراط الله، المستقيمون لجادة عرفانه { إلى الذين ظلموا } أي: خرجوا عن حدود الله الموضوعة لإصلاح أحوال عباده { فتمسكم النار } بأدنى الميل والالتفات { وما لكم من دون الله من أوليآء } ينقذونكم من النار لو توالونهم أو تداومون الميل إليهم { ثم } اعلموا أنكم لو اخترتم موالاة الظلمة واتخذتموهم إخوانا كسائر المؤمنين { لا تنصرون } [هود: 113] ولا نقذون من النار، فعليكم ألا تتخذوا الكافر أولياء من دون المؤمنين.

{ وأقم الصلاة } أي: أدم الميل والركمون إلى الله بجميع الأعضاء والجوارح في جميع الأوقات والحالات، سيما { طرفي النهار } أي: قبل الطلوع وقبل الغروب، فإنهما وقتان محفوظان عن وسوسة الأوهام، حاليان غالبا عن الشواغل { و } عليكم أن تختلس لتوجهيك { زلفا } أي: ساعات { من } آخر { اليل } قريبة بالنهار، فإن إقدامك عليها وإقامتك لها حسنات، خصوصا في تلك الساعات الخالية عن وساوس الخيالات { إن الحسنات } الخالية عن الرياء والرعونات { يذهبن السيئات } وتصفي صاحبها عن كدر الغفلات { ذلك } أي: الامر بالاستقامة على المتعظين، الذين يذكرون الله في السراء والضراء ويتعظون بجميع ما ج رى عليهم من الخصب والرخاء، إنما هو { ذكرى } وعظة وتذكرة شافية { للذاكرين } [هود: 114] الله في عموم أحوالهم وحالاتهم.

وبالجملة: { واصبر } على أذاهم واكظم غيظك، فإن الصبر على الأذى من أعظم الحسنات { فإن الله لا يضيع أجر المحسنين } [هود: 115] سيما على من أساء عليه.

[11.116-119]

Shafi da ba'a sani ba