251

ومع ذلك النصح والشفقة والتليين التام المنبعث عن محض الحكمة، والحجج والبراهين الدالة على صدقه في دعواه { فكذبوه } عنادا ومكابرة، وأصروا على تكذيبه عتوا واستكباراص، فأخناهم بالطوفان؛ لانهماكهم في الغي والطغيان { فنجيناه ومن } آمن { معه } من الغرق محفوظين { في الفلك } التي نحتها بيده بوحي الله إياه وتعليمه، وهم قد استهزؤوا معه حين اشتغل بتربيتها { وجعلناهم } أي: أصحاب الفلك { خلائف } من الهالكين، وهم ثمانون مؤمنون بالله مصدقون لرسوله { وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر } أيها المعتبر الرائي { كيف كان عاقبة المنذرين } [يونس: 73] المكذبين لنذيرهم؟ وإلى أين أدى إنكارهم واستكبارهم؟ فاعتبروا يا أولي الأبصار.

[10.74-78]

{ ثم } لما ازداد الخلفاء الناجون، وتشعبوا أمما وأحزابا ودار عليم الأدوار فصاروا منصرفين عن طريق الحق، مائلين عن سبيل الرشاد { بعثنا } لإصلاح أحوالهم { من بعده } أي: بعد نوح { رسلا } منهم كل واحد من الرسل { إلى قومهم فجآءوهم بالبينت } الواضحة والمعجزات الساطعة القاطعة المثبتة لدعواهم { فما كانوا ليؤمنوا } أي: فما تيسر لهم وضح عندهم وثبت لديهم أن يؤمنوا ويصدقوا { بما كذبوا به من قبل } أي: قبل بعثة الرسل، بل أصروا على ما هوم عليه، واعتادوا له بلا تغيير وتبديل لتركيب جهلهم المركوز في جبلتهم وخباثة طينتهم { كذلك نطبع } ونخختم بختام الغفلة والنسيان { على قلوب المعتدين } [يونس: 74] المجاوزين عن حدود الله، الراسخين على التجاوز والعدوان.

{ ثم } لما عتوا منهم من عتوا وأخذنا منهم من أخذنا { بعثنا من بعدهم } أي: بعد أولئك الرسل الماضين { موسى وهرون } الذي هو أخوه وظهيره { إلى فرعون } المبالغ في العتو والعناد إلى حيث ادعى الربوبية لنفسه بقوله: أنا ربكم الأعلى { وملإيه } المؤمنين له المعاونين لشأنه { بآيتنا } الدالة على استقلالنا في الآثار وتفردنا في الألوهية والربوبية وعلى صدق رسولنا في جميع ما جاء به من عندنا { فاستكبروا } عن الانقياد، واستقبلوا بالتكذيب والعناد { و } هم في سابق علمنا: { كانوا قوما مجرمين } [يونس: 75] بأعظم الجرائم مستحقين بأشد العذاب ؛ لذلك أظهروا ما في استعداداهم وقابليتهم.

{ فلما جآءهم الحق } الحقيق بالاتباع والانقياد { من عندنا } بعدما عارضوا معه وقابلوا بمعجزاته ما قابلوا { قالوا } من فرط عتوهم وعنادهم بدل ما صدقوه وآمنوا به بعد ظهور أمره وشأنه: { إن هذا } الذي جاء به هذا الساحر الكذاب { لسحر مبين } [يونس: 76] عظيم ظاهر فائق على سحر جميع السحرة.

{ قال موسى } بعدما سمع قولهم هذا يسأل عن إيمانهم، متحسرا متحزنا على متقضى شفقهة النبوة، موبخا لهم على وجه الفطنة والتذكير: { أتقولون } أيها الحمقى { للحق } الصريح الثابت الصحيح { لما جآءكم } لإصلاح حالكم ليورث في قلوبكم تصديقا لوحدانية ربكم: إنه سحر باطل { أ } ما تستحيون من الله ولا تنصفون وتقولون: { سحر هذا و } الحال أنه { لا يفلح } ولا يفوز بالخير { الساحرون } [يونس: 77] وهذا خير كله عاجلا وآجلا، وفرز بالفلاح والنجاح.

{ قالوا } على سبيل المكابرة بعدما سمعوا من موسى قوله ونصحه: { أجئتنا } أيها الساحر الكذاب { لتلفتنا } وتصرفنا { عما وجدنا عليه آباءنا } وأسلافنا { و } اشتهيت أن { تكون لكما الكبريآء } والعظمة { في الأرض } التي كنا عليها مستقرين { و } اذهبا إلى حيث شئتما { ما نحن لكما بمؤمنين } [يونس: 78] مصدقين منقادين.

[10.79-86]

{ و } بعدما أفحموا عنه براهينهما وحججهما، وعجزوا عن معجزاتهما صمموا العزم لمعارضتهما؛ حيث { قال فرعون } آمرا لأعوانه وأنصاره: { ائتوني بكل ساحر عليم } [يونس: 79] ما هر كامل فيه، فأرسلوا شرطا لجميع أهل السحر، فأجمعوا واجتمعوا وجاءوا على فناء فرعون مجتمعين، ثم عينوا الوقت والموعد، فخرجوا إلأيه ليعارضوا معهما.

{ فلما جآء السحرة } الميقات والموعد، قالوا لموسى تحقيرا له وتهوينا لأمره: ألق ما جئت به من السحر { قال لهم موسى } مستعينا بالله من عنده متوكلا عليه: { ألقوا } أيها المغترون المكذبون { مآ أنتم ملقون } [يونس: 80].

Shafi da ba'a sani ba