[9.50-52]
{ إن تصبك } في بعض أسفارك وغزواتك { حسنة } ظفرة وغنيمة { تسؤهم } وتزيد غيظهم ونفاقهم { وإن تصبك } في بعضها { مصيبة } كسر وهزيمة { يقولوا } تصحيحا وتحسينا لرأيهم الفاسد: { قد أخذنا أمرنا } وأصبنا فيه { من قبل } أي: حين تخلفنا { ويتولوا } عن مجمعهم الذي يتشامتون فيه بالمؤمنين تبجحا { وهم } في رجوعهم وتفرقهم { فرحون } [التوبة: 50] مسرورون.
{ قل } يا أكمل الرسل للمتشامتين المنافقين على مقتضى كشفك وشهودك بربك: { لن يصيبنآ } من الحوادث { إلا ما كتب الله } المقدر للآجال والأرزاق، وجميع الأفعال والأحوال، والحوادث الجارية في عالم الغيب والشهادة { لنا } وخصصنا بها في حضرة علمه؛ إذ { هو } بذاته { مولانا } ومولي جميع أمورنا يصنع بنا على مقتضى ما ثبت في حضرة علمه بلا تبديل ولا تغيير { و } ما لنا إلا الرضا بما جرى علينا وسيجري من القضاء؛ لذلك { على الله } لا على غيره من الأسباب والوسائل؛ إذ مرجع الكل إليه، كما أن مبدأه منه أولا بالذات { فليتوكل المؤمنون } [التوبة: 51] بتوحيد الذات، وسريان سر الوحدة على صفائح المكونات.
{ قل } لهم أيضا: { هل تربصون } أي: تترقبون وتنتظرون { بنآ إلا إحدى الحسنيين } أي: العاقبتين الحميدتين اللتين كل منهما محض خير، إما النصرة وإما الشهادة إذ وعدنا الله من فضله بهما { ونحن } أيضا { نتربص بكم } على مقتضى وحي الله وإلهامه { أن يصيبكم الله بعذاب } نازل { من عنده } بلا دخل منا وصنع من كسف أو خسف وزلزلة وغيرها { أو بأيدينا } من القتل والأسر، والإجلاء والإذلال { فتربصوا } وانتظروا لما وعد لنا { إنا معكم متربصون } [التوبة: 52] أيضا لما أوعدتم به؛ حتى ننظر كيف يجري حكم الله ومشيئته؟
[9.53-55]
{ قل } للمنافقين المتخلفين الذين يريدون إعاتنك بالمال بدل الخروج إلى الجهاد: لن ينفعكم إنفاقكم عند الله سواء { أنفقوا طوعا } طائعين { أو كرها } كارهين { لن يتقبل منكم } لأن الإنفاق إنما يقبل من المؤمنين الصالحين المخلصين { إنكم } بسبب كفرهم ونفاقكم مع الله ورسوله { كنتم قوما فاسقين } [التوبة: 53] لا يقبل منكم الصدقات مطلقا؛ لعدم مقارنتها بالإيمان.
{ وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم } أي: ليس عدم قبول نفاقهم وصدقاتهم عند الله { إلا أنهم كفروا بالله } المتوحد بذاته، وأشركوا له ما هو من مصنوعاته { وبرسوله } بتكذيبه، وعدم إطاعته وإنقياده { و } علامة كفرهم ونفاقهم : إنهم { لا يأتون الصلاة } الفاصلة الفارقة بين الكفر والإيمان { إلا } يأتونها مداهنة { وهم كسالى } مبطئون مؤخرون بلا انبعاث قلبي وداعية شوقية { و } أيضا { لا ينفقون } ما ينفقون { إلا وهم كارهون } [التوبة: 54] كراهة قلبية؛ لأنهم لا يتوقعون ترتيب الثواب عليها؛ لعدم إيمانهم بيوم الجزاء والثواب والعقاب.
ومتى تحقق كفرهم ونفاقهم { فلا تعجبك أمولهم ولا أولدهم } أي: كثرتها وتفاخرهم بها؛ لأنها من أسباب العذاب والنكال عليهم { إنما يريد الله } المنتقم منهم { ليعذبهم بها في الحيوة الدنيا } بجمعها وحفظها ونمائها، وارتكاب المحن والشدائد في تحصيلها { و } من كثرة محبتهم لها وحرصهم عليها { تزهق } وتزول { أنفسهم } وقت حلول الأجل { وهم كفرون } [التوبة: 55] محجوبون عن توحيد الله والإيمان.
[9.56-59]
{ و } من جملة نفاقهم: إنهم { يحلفون بالله } بالحلف الكاذب { إنهم لمنكم } أي: من جملتكم وزمرتكم يفرحون بفرحكم وسروركم، ويتغممون بحزنكم ومصيبتكم { و } الحال أنهم { ما هم منكم } لكفرهم وشركهم المركوز في قلوبهم { ولكنهم قوم يفرقون } [التوبة: 56] يخافون أن تفعلوا بهم فعلكم من المشركين، فاضطربوا إلى المداهنة والنفاق فأظهروا الإسلام؛ حفظا لدمائهم وأموالهم، وهم مضطرون على إظهار الإيمان، ومن غاية تذللهم واضطرارهم.
Shafi da ba'a sani ba