{ وأعدوا } أيها المؤمنون { لهم ما استطعتم من قوة } أي: هيئوا لقتالهم من الآلات والأسباب ما يحتاجون في حرابهم، سيما آلات الرمي { ومن } جملة العدة: { رباط الخيل } أي: شد الفرس وارتياضه ليوم الحرب ما يفعله ويشده الأبطال المتشوقون إلى القتال { ترهبون به } أي: بالأعداد والشد { عدو الله وعدوكم } وهم الذي في حواليكم يقاتلونكم، ويخاصمون معكم جهرة وعلانية؛ يعني: كفار مكة.
{ و } ترهبون به أيضا { آخرين من دونهم } يعني: الذين ينفاقون معكم ويظهرون إطاعتكم وإخاءكم ظاهرا، ويريدون إهلاككم ومقتكم في بواطنهم { لا تعلمونهم } أي: عداوتهم؛ لإخفائهم وإظهارهم صدقاتكم { الله } المطلع لضمائرهم { يعلمهم } ويعلم عداوتهم ونفاقهم، ويجازيهم عليها { وما تنفقوا من شيء } للأعداء والتجهيز { في سبيل الله } ونصر دينه، وإعلاء كلمة توحيده { يوف إليكم } جزاؤه بأضعاف ما تصرفون وآلافه { وأنتم } في إنفاقكم وإعدادكم { لا تظلمون } [الأنفال: 60] أي: لا تنقصون من جزائه ولا تخسرون، بل تربحون وتفوزون بما ترضى به نفوسكم، وبما لا تدركه عقولكم من الكرامة تفضلا وامتنانا.
{ و } بعدما أعددتم عددكم، وهيأتم أسباب الحرب { إن جنحوا للسلم } أي: مال أعداؤكم للمصالحة والمعاهدة { فاجنح لها } أي: مل وأرض أيها الداعي للخلق إلى الحق تليينا لهم وتلطيفا معهم على مقتضى مرتبة النبوة والتكميل { وتوكل على الله } في جميع أمورك وثق به سبحانه، ولا تخف من مكرهم وخداعهم، فإن الله حسبك وظهيرك يحفظك من مكرهم وغدرهم { إنه } بذاته { هو السميع } لأقوالهم { العليم } [الأنفال: 61] بنياتهم وأعمالهم.
{ وإن يريدوا } بعدما صالحوا وعاهدوا { أن يخدعوك } ويمكروا بك وبأصحابك فلا تبالوا بهم وبغدرهم وخداعهم { فإن حسبك } أي: كافيك وظهيرك، ومولى جميع أمورك { الله } الرقيب عليك في جميع حالاتك، كيف لا يرقبك من مكرهم { هو الذي أيدك } وقواك، وأظفرك عليهم { بنصره } بلا أعداء ورباط خيل { و } بعد تأييدك بنصره أيدك أيضا { بالمؤمنين } [الأنفال: 62] بإيمانهم وإطاعتهمن لك، وبذل مالهم ومهجهم لتقويتك وإعلاء دينك.
{ وألف بين قلوبهم } بحيث ارتفع غشاوة الحمية وحجب العصب عن ضمائرهم مطلقا، وصاروا في محبتك ومودتك مستوية الأقدام، متحابين لله، منخلعين عن لوازم البشرية مطلقا ، مع كونهم في جاهليتهم على التغالب والتهالك بمقتضى الحمية الجاهلية والغيرة البشرية بحيث { لو أنفقت } وصرفت { ما في الأرض جميعا } لائتلافهم واجتماعهم { مآ ألفت بين قلوبهم } لشدة بغضهم ونفاقهم { ولكن الله } المحول لأحال عباده { ألف بينهم } بمقتضى لطفه وجماله؛ لينصروك ويقبلوا دينك، ويصلوا إلى مرتبة اليقين والعرفان، ويتحققوا في مقر التوحيد { إنه عزيز } غالب على جميع مراداته ومقدوراته { حكيم } [الأنفال: 63] متقن في جميع أفعاله، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
[8.64-66]
{ يأيها النبي } المؤيد من عند الله بالنصر والظفر على الأعداء { حسبك الله } المولي لأمورك { ومن اتبعك } بإذن الله ومشيئته { من المؤمنين } [الأنفال: 64] الموقنين بتوحيد الله، الموفين بعهوده، الباذلين مهجهم في سبيله.
{ يأيها النبي } المظفر المنصور بنصر الله { حرض } ورغب { المؤمنين } الموحدين { على القتال } في سبيل الله؛ لترويج توحيده، وقل لهم نيابة عنا ووعدا منا: { إن يكن منكم } أيها المؤمنون { عشرون صابرون } مستقرون ثابتون تجاه العدو { يغلبوا مئتين } منهم بتأييد منا وعون { وإن يكن منكم مئة } صابرة راسخة، متمكنة { يغلبوا ألفا من الذين كفروا } بإمدادنا إياكم إلى حيث يقاوم واحد منكم عشرة منهم، ذلك المغلوبية والانهزام إنما عرض عليهم { بأنهم قوم لا يفقهون } [الأنفال: 65] أي: لا يصلون إلى مرتبة العلم اليقيني بالله وكتبه ورسله، حتى يترقوا منه إلى مرتبة العين والحق، بل يبقون على مرتبة الحيوانية مهانين مغلوبين مخذولين.
هذا في بدء الإسلام وضعف المسلمين وقلتهم، وبعدما ارتفع قدره وعلا رتبته وكثر أهله وانتشر في الآفاق قال سبحانه: { الآن } أي: حين كثر عددكم وعددكم، وثقل عليكم ما أمرتم { خفف الله } الميسر لأموركم أثقالكم { عنكم وعلم } بعلمه الحضوري { أن فيكم ضعفا } تستثقلون بتحمل المأمور به، أمركم ثابتا بقوله: { فإن يكن منكم مئة صابرة } ثابتة { يغلبوا مئتين } منهم { وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله } ونصره وتأييده { والله } المراقب لأحوال عباده { مع الصابرين } [الأنفال: 66] المتجملين في متاعب أمور الدين.
[8.67-69]
Shafi da ba'a sani ba