قال لهم يا أكمل الرسل: { أولا يعلمون أن الله } المحيط بظواهركم وبواطنكم { يعلم } بالعلم الحضوري { ما يسرون } من الكفر والتكذيب عنادا ومكابرة { وما يعلنون } [البقرة: 77] من القول الغير المطابق للاعتقاد.
[2.78-81]
هذا حال علمائهم وأحبارهم { ومنهم أميون لا يعلمون } لا يعقلون ولا يفهمون { الكتاب } والإنزال والإرسال والدين والإيمان وجميع التكاليف الشرعية؛ لعدم ذكائهم وتفظنهم في الأمور الدينية الاعتقادية، بل ما يأخذونه { إلا أماني } كسائر الأماني الدنيوية؛ تقليدا لرؤسائهم ورهبانهم { وإن هم } ما هم في أنفسهم من الممترين في المعتقدات { إلا } أنهم { يظنون } [البقرة: 78] ظنا بليغا في تمييز علمائهم المحرفين للكتاب، وبسبب هذا الظن لم يؤمنوا نبينا صلى الله عليه وسلم، ولما صار المحرفون ضالين في أنفسهم مضلين لغيرهم، استحقوا أشد العذاب.
{ فويل } حرمان عن لذة الوصول بعدما قرب الحصول أو طرد، وتبعيد عن ذروة الوجوب إلى حضيض الإنكار، أو عود وترجيع لهم في الحرية إلى الرقية الأبدية في النشأة الأخرى { للذين يكتبون الكتاب بأيديهم } بعد تحريفهم بآرائهم السخيفة { ثم يقولون } لسلفتهم وجهلتهم ترويجا للمحرف { هذا } ما نزل { من عند الله } وإنما قالوا ذلك { ليشتروا به } نبسبته إلى { ثمنا قليلا } على وجه التحف والهدايا من الضعفاء الذين يظنونهم عقلاء أمناء في أمور الدين كما يفعل مشايخ زماننا، أنصفهم الله مع من يتردد إليهم من عوام المؤمنين.
ثم لما كانت الويل عبارة عن نهاية مراتب القهر والجلال، وغاية البعد عن مراتب اللطف والجمال كرره مرارا وفصله تحذيرا للخائنين المستوحشين عن طرده وإبعاده فقال : { فويل لهم مما كتبت أيديهم } من المحرفات الباطلة { وويل لهم مما يكسبون } [البقرة: 79] من القبوحات والمعاملات الخبيثة.
ومن جملة هذياناتهم مع ضعفائهم أنهم لما ظهر فيما بينهم واشتهر ما نزل في التوراة: إن الذين اتخذوا العجل ألها يدخلون النار، اضطرب الضعفاء من هذا الكلام، وضاق المحرفون من اضطرابهم أن يميلوا إلى الإسلام.
{ وقالوا } لهم تسكينا وتسلية: لا تخافوا ولا تضطربوا { لن تمسنا النار إلا أياما } قلائل { معدودة } أربعين يوما مقدار زمان عبادة العجل وأقل من ذلك { قل } لهم يا أكمل الرسل توبيخا وتقريعا: أأنتم { أتخذتم } وأخذتم { عند الله عهدا } بألا يمسكم النار إلا أياما معدودة { فلن يخلف الله عهده } إن ثبت، فنحن أيضا من المصدقين المؤمنين { أم تقولون على الله } افتراء { ما لا تعلمون } [البقرة: 80] ثبوته عنده فيجازيكم بما افتريتم.
{ بلى } أي: بلى الأمر الحق المحقق الكلي الثابت عهده وجرى عليه سنته أن { من كسب سيئة } مشغلة مبعدة عن الحق { و } مع ذلك { أحاطت } شملت واحتوت { به خطيئته } خطاياه كلها إلى سيئة مبعدة { فأولئك } البعداء عن طريق الحق { أصحاب النار } نار البعد والخذلان لا ينجون ولا يخرجون منها أصلا بل { هم فيها خالدون } [البقرة: 81] دائمون لها ما شاء الله.
[2.82-85]
{ والذين آمنوا } واعتقدوا بوحدانية الله، وأيقنوا بألا وجود لغير الله { و } مع الإيمان والإيقان { عملوا } بالجوارح { الصالحات } المترتبة على هذا الاعتقاد المستلزمة إياه { أولئك } المقربون الواصلون إلى ما يصلون { أصحاب الجنة } القرب والوصول { هم فيها خالدون } [البقرة: 82] متمكنون ما شاء الله، ولا مرمى وراء الله، ولا مقصد سوى: لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله.
Shafi da ba'a sani ba