[لقمان: 18].
[2.61]
{ و } اذكروا أيضا { إذ قلتم } لموسى في التيه بعد إنزال المن والسلوى وانفجار العيون محولا خاليا عن الإخلاص والمحبة، ناشئا عن محض الفساد والغفلة وكفران النعمة: { يموسى } على طريق سوء الأدب معه { لن نصبر } معك في التيه { على طعام واحد } وهذا غير ملائم لمزاجنا وطباعنا { فادع لنا ربك } الذي ادعيت تربيته لنا { يخرج } يظهر ويهيئ { لنا } غذائنا { مما } من جنس ما { تنبت الأرض } التي هي معظم عنصرنا سواء كان { من بقلها } خضرواتها التي يأكلها الناس للتفكه والتلذذ بحرافتها وحموضتها ومرارتها الملائمة لمزاجه { وقثآئها } التي يتفكه بها لتبريد المزاج { وفومها } حنطتها التي يتقوت بها لشدة ملاءمتها مزاجه، لذلك ما أزل الشيطان أبانا آدم إلا بتناولها { وعدسها } المعد لهضم الغذاء { وبصلها } التي تشتهيها النفوس المنتفرة عن الحلاوة والدسومة.
فلما سمع موسى منهم ما قالوا آيس وقنط من صلاحهم وإصلاحهم { قال } في جوابهم موبخا لهم ومقرعا: { أتستبدلون } أيها الناكبون عن طريق الحق، المائلون إلى الهوى { الذي هو أدنى } المخرج من الأدنى { بالذي هو خير } وأعلى، المنزل من الأعلى، وأنا أستحي من الله سؤال ما سألتم { اهبطوا } انزلوا { مصرا } أرض العمالقة وديار الفراعنة { فإن لكم } فيه { ما سألتم } بالكد والفلاحة { و } بعدما ذلوا نفوسهم بطلب الأشياء الدنية الخسيسة { ضربت عليهم } أعلمت وختمت عليهم { الذلة } لخباثة نفوسهم وقساوة قلوبهم وتمكن النفاق في جبلتهم؛ لذلك ما ترى يهوديا إلا ذليلا في نفسه خبيثا في معاشه { و } ضربت عليهم أيضا { المسكنة } المذمومة المتفرعة على الذلة المتفرعة على الدناءة والخباثة { و } بعما ضربت عليهم الذلة { بآءو } صاروا مقارنين { بغضب } نازل { من الله } المطلع على ضمائرهم وسرائرهم { ذلك } السبب الموجب لنزول الغضب { بأنهم كانوا } لخبث طبيعتهم وشدة نفاقهم وضغينتهم { يكفرون بآيات الله } النازلة عليهم عطاء وامتنان { و } مع ذلك لا يقنعون بكفران النعم بل { يقتلون النبيين } المنبئين لهم عن قبح صنيعهم { بغير الحق } الذي ظهر عندهم من الخبائث الموجبة للقتل بل { ذلك بما عصوا } عصيانا فاحشا { وكانوا } في ذلك العصيان { يعتدون } [البقرة: 61] يتجاوزون حدود الله عنادا واستكبارا.
ولما بالغوا في الإعراض عن الله والتجاوز عن حدوده وكفران نعمه، وصاروا من إفراطهم مظنة ألا يرجى منهم الفلاح والفوز بالنجاح، تقاعد موسى - صلوات الله عليه - عن تبليغهم، وآيس عن اهتدائهم بالمرة.
[2.62-64]
ثم أشار سبحانه إلى أن منهم ومن أمثالهم من ذوي الأديان والملل من يهدي إلى الحق، ويتوجه إلى طريق مستقيم، فقال: { إن الذين آمنوا } بدين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم { والذين هادوا } انقادوا بدين موسى عليه السلام { والنصارى } الذين آمنوا بدين عيسى عليه السلام { والصابئين } الذين تدينوا بدين نوح عليه السلام { من آمن بالله واليوم الآخر } أي: أيقن بوحدانية الله، وأقر بربويته، واعترف بأن لا موجد إلا الله الواحد الأحد، ومع ذلك صدق واعترف بيوم الجزاء { وعمل } عملا { صالحا } موافقا لما أمر، خالصا لوجه الله مخلصا فيه { فلهم أجرهم عند ربهم } الذي يوفقهم على التوحيد والإخلاص { ولا خوف عليهم } من العقاب والعذاب { ولا هم يحزنون } [البقرة: 62] عن سوء المنقلب والمآب.
{ و } اذكروا أيضا { إذ أخذنا ميثاقكم } أي: طلبنا منكم العهد الوثيق بأن تتبعوا موسى وتمتثلوا بأوامر كتابه وتجتنبوا عن نواهيه، فامتنعتم عن متابعته واستثقلتم ما في كتابه، فأنجيناكم إليه بأن أمرنا جبريل عليه السلام بقلع الجبل من مكانه { و } بعد قلعه { رفعنا } بتوفيقنا أياه { فوقكم الطور } معلقا عليكم وقلنا لكم في تلك الحالة: { خذوا مآ ءاتينكم } من الدين والكتاب { بقوة } بجد واجتهاد { واذكروا } جميع { ما فيه } على التفصيل لنفوسكم، وإن لم تأخذوا وتذكروا، سقط عليكم الجبل فنستأصلكم فعهدتم خوفا من سقوطه، وإنما فعلنا ذلك بكم { لعلكم تتقون } [البقرة: 63] لكي تحذوا عن قهرنا وانتقامنا.
{ ثم } لما أمهلناكم زمانا { توليتم } أعرضتم عن العهد { من بعد } ما أزلنا عنكم { ذلك } الخوف وأنتم في جبلتكم ظالمون، مجاوزون عن الحدود والعهود { فلولا فضل الله } المحيط { عليكم } بإرادة إيمانكم وإصلاحكم { ورحمته } الواسعة الشاملة لكم بإرسال الرسل وإنزال الكتب { لكنتم } في أنفسكم { من الخاسرين } [البقرة: 64] الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة،
ألا ذلك هو الخسران المبين
Shafi da ba'a sani ba