{ من كان يريد } بالجهاد والقتال وجميع الأعمال المأمورة من عند الله { ثواب الدنيا } وما يصل إليها فيها من الغنيمة والرئاسة والتفوق على الأقران، وعلو المرتبة بين الأنام { فعند الله ثواب الدنيا } إنجاحا لمطلوبه { والآخرة } تفضلا وامتنانا { وكان الله } المطلع لسرائر عباده { سميعا } لمناجاتهم { بصيرا } [النساء: 134] بحاجاتهم، يوصلهم إلى غاية متمناهم مع زيادة إنعام وإفضال من عنده.
[4.135-136]
{ يأيها الذين آمنوا كونوا قومين } مداومين مواظبين { بالقسط } بإقامة العدل والإنصاف بينكم، وإن كنتم { شهدآء } في الوقائع كونوا شهداء مخلصين { لله } في أدائها بلا ميل وزور وإخفاء { ولو } كنتم شاهدين { على أنفسكم } باعتراف ما على ذمتكم من حقوق الغير { أو } ذمة { الولدين و } ذمم { الأقربين } فعليكم إيها الشهداء أن تقسطوا في أداء الشهادة بلا حيف وميل { إن يكن } المشهود عليه، أو المشهود له { غنيا أو فقيرا } يعني: ليس لكم أن تراعوا جانب الفقير وتجانوبا عن الغني، بل ما عليكم إلا أداء ما عندكم من الشهادة على وجهها { فالله أولى بهما } برعايتهما وإصلاحهما { فلا تتبعوا الهوى } أي: ما تهوى نفوسكم، وتميل قلوبكم إليه إن أردتم { أن تعدلوا } في أداء الشهادة { وإن تلووا } تغيروا وتحرفوا ألسنتكم عما ثبت وتحقق عندكم { أو تعرضوا } عن أدائها مطلقا، ألجموا بلجاممم من نار على ما نطق به الحديث، صلوات الله على قائله { فإن الله } المجازي لعباده { كان بما تعملون } من تغيركم وإعراضكم { خبيرا } [النساء: 135] يجازيكم على مقتضى خبرتهز
{ يأيها الذين ءامنوا } أي: الذين يدعون الإيمان، ويجرون كلمة التوحيد على اللسان على وجه التقليد والحسبان، وينكرون طريق أهل التوحيد والعرفان، ونسبون أهله إلى الإيمان والطغيان { ءامنوا } أيقنوا وأذعنوا { بالله } المتفرد في ذاته المتوحد في أسمائه وصفاته حتى عوينوا، وكوشفوا بتوحيده { ورسوله } أي: خليفته المصورة بصورته المبعوث على كافة بريته، الجامع لجميع مراتب أوصافه وأسمائه { والكتب } المبين لطريق توحيده { الذي نزل } من فضله ولطفه { على رسوله } المظهر لتوحيده الذاتي { و } جميع { الكتب الذي أنزل } من عنده { من قبل } على الرسل الماضين المبعوثين على الأمم الماضية، الظاهرين بتوحيد صفاته وأفعاله { ومن يكفر بالله } الأحد الصمد باعتقاد الوجود لغير الله من الأظلال والعكوس { وملآئكته } أوصافه وأسمائه المنتشئة من شئونه وصنوف كمالاته { وكتبه } المنتخبة من شئونه وتصوراته وتنوزلاته على هيئة الصوت الحرف؛ ليبين بها طريق التوحيد على التائهين في بيدان الغفلة، المنهمكين في بحر الضلال { ورسله } المكاشفين بمقاصد كتبه، المتحققين المتصفين على جميع ما أمر ونهى فيها المأمورين بتبليغها والإرشاد إلى مقاصدها { واليوم الآخر } المعد لجزاء من يتنبه ويتفطن من إنزال الكتب وإرسال الرسل، ومن لم يتنبه ولم يتفطن؛ إذ الحكمة تقتضي التفضل والترحم على من تنبه إلى طريق الحق بعد ورود المنبه والمبين، والانتقام على من لم يتنبه ولم يؤمن، بل ينكر ويكفر، ومن يكفر { فقد ضل } عن طريق التوحيد { ضلالا بعيدا } [النساء: 136] إلى حيث لا يتمنى هدايته وفلاحه.
من يضلل الله فلا هادي له، نعوذ بك منك يا أرحم الراحمين.
[4.137-140]
ثم قال سبحانه: { إن الذين آمنوا } بالله حين ظهر موسى كليم الله وبعث إليهم { ثم كفروا } به وبدينه حين ظهر عليهم السامري بالعجل { ثم آمنوا } بعد رجوع موسى من ميقاته { ثم } لما ظهر الزامن بانقطاع الوحي وإرسل الرسل وإنزال الكتب، وقع في أمر الدن فترة وضعف، أرسل عليهم عيسى عليه السلام وأنزل عليه الإنجيل؛ ليبين لهم طريق توحيده { كفروا } به وكذبوا بكتابه عنادا واستكبارا.
وبعدما انقرض جيل عيسى عليه السلام، أظهر سبحانه النبي الموعود في كتبه السالفة بأنه سيأتي نبي مبعوث على كافة البرة بالتوحيد الذاتي، وله دين ناسخ لجميع الأديان، وكتابه ناسخ لجميع الكتب، وبه يختم أمر النبوة والوحي والإرسال والإنزال؛ إذ بظهوره كمل طريق التوحيد والعرفان { ثم } لما ظهروتحقق عندهم ظهوره { ازدادوا } به { كفرا } وتكذيبا، وأصروا على ما هم عليه عتوا وعنادا { لم يكن الله } الهادي لعباده والماحي لذنوبهم { ليغفر لهم } إن بقوا على كفره وإصرارهم { ولا ليهديهم سبيلا } [النساء: 137] إن انهمكوا في الغي والضلال.
{ بشر } يا أكمل الرسل { المنافقين } منهم، وهم الذين يدعون الإيمان بك وبكتابك وبدينك على طرف اللسان، وقلبم على الشقاق والطغيان الأصلي { بأن لهم } عند ربهم { عذابا أليما } [النساء: 138].
وحذر منهم ومن سراية خبثهم المؤمنين { الذين يتخذون الكافرين } المصرين على الكفر بالله وتكذيب الرسول { أوليآء } أحباء أصدقاء يصاحبونهم { من دون المؤمنين } قل للمتخذين من المؤمنين نيابة عنا: { أيبتغون } ويطلبون { عندهم العزة } ويعتقدون أنهم أعزة يتعززون بهم وبمصاحبتهم وموالاتهم مع أنه لا عزة لهم حقيقة، بل ضربت عليهم الذلة والهوان { فإن العزة } الغلبة والكبرياء والبسطة والبهاء { لله } المتعزز برداء العظمة والكبرياء { جميعا } [النساء: 39] لا يسع لغيره أن يتعزز في نفسه إلا بفضله وطوله.
Shafi da ba'a sani ba