والثالث: في سورة " سأل سائل " وهو قوله: ﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ الآيات إلى قوله ﴿أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ﴾ فهذه الخصال الثلاث فرق من الناس العلماء والحكماء والكبراء المعنيين بقول النبي ﷺ سائل العلماء وخالط الحكماء وجالس الكبراء ولكل فرقة مقامات معدودة يترتب بعضها على بعض، وهذه مسألة كثيرة قد أحكمتها في كتاب (شرف التصرف) وبينت تخصيص كل مقام وهذا القول والذي تقدمه يتقاربان عند الحقيقة، غير أن الأول نظر إلى المبدأ والثاني إلى الغاية، وذلك مذكور هناك، ثم التوبة: ترك الذنب على أحد الوجوه، وهو ضرب من الاعتذار فإن الاعتذار على ثلاثة أوجه إما أن يقول المعتذر: لم أفعل كذا، ويقول: فعلت لأجل كذا، أو يقول: فعلت وأسأت وقد أقلعت، ولا رابع لذلك وهذا الأخير هو التوبة، فإذا: التوبة ضرب من الاعتذار.
والتوبة والأوبة والاستغفار متقاربة وبحسب ما اختلفت فيها الاعتبارات اختلفت عليها العبارات، (الإنابة) الرجوع عن طريق الضلال إلى الهدى، والأوبة: رجوع القلب إلى الحق والوقوف عليه، والاستغفار: طلب الغفران قولانً وفعلًا، أي: تعاطي ما يغفر ما تقدم من الذنب، والتوبة التامة المعتد بها: ترك الذنب، والندم عليه، وهو العزم على أن لا يعود إليه، وتدارك ما تقدم وهو رد المظالم " مظلمة الخلق، ومظلمة الخالق " ومظلمة الخالق: هي إعادة ما ترك من العبادات وإذابة ما استفاد جسمه من الحرمات، ألا ترى إلى قوله [﵇] " كل لحم نبت من سحت النار أولى به " والتواب: يقال في العبد، وفي الرب، لكن العبد تائب إلى الله ﷿ والله تائب على عبده، وقوله: ﴿إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ جمع بين الوصفين - تنبيهًا على أنه مع ترك ذنبه، عليه لا يخليه من