إن رغبة المرء في التخلص من الشك تفسر سلوك الأطفال وصغار السن وقدرتهم التي لا تضاهى في التعلم؛ إذ يقودهم فضولهم الطبيعي إلى استخدام أي ملكة متاحة، مثل اللمس أو الحركة أو اللغة، كي يفهموا العالم المحيط بهم.
بالرغم من ذلك، فمثلما أشار بيرس في كتاب «ترسيخ الاعتقاد»، يمكن تبديد الشك بطرق كثيرة، وبعضها أقل إيجابية ونفعا من البعض الآخر. يمكن على سبيل المثال تبديد الشك بتصديق أول تفسير يتلقاه الإنسان، أو باعتناق أفكار يطمئن إليها الفرد بالفعل، أو بقبول إجابات تقدمها رموز السلطة.
كانت مشكلة ديوي مع التعليم بنموذج المصنع الذي شهده في زمانه (ونشهده نحن في زماننا)، ويتمثل في أن المدرسين يقدمون الإجابات ويحرصون على أن يتعلمها الطلاب من خلال الشرح والتلقين، ولا يتعلمون غيرها؛ هي أن هذا النموذج في التعليم يكبت مهارة الاكتشاف الذي رأى أنه ينبغي تقديمه للطلاب من خلال أنشطة التعلم التي تتسم ب «الوضوح والفعالية». كانت المشكلة من وجهة نظر ديوي كما قال في كتاب «كيف نفكر» هي أنه «إذا أدخلت الأنشطة أصلا إلى المدرسة [التقليدية]، فإن دخولها يكون خضوعا مكروها للحاجة المتمثلة في توفير استراحة حينية من الإجهاد الناتج عن العمل الفكري المستمر، أو لصخب المطالب النفعية المفروضة على المدرسة من الخارج.»
14
في الوقت ذاته، انتقد ديوي المعلمين التقدميين ممن يرون أن الأنشطة القائمة على الاكتشاف غاية في حد ذاتها؛ إذ أشار إلى أنه: «على النقيض من ذلك، ثمة إيمان حماسي بوجود فاعلية تربوية هائلة لأي نوع من الأنشطة، ما دام نشاطا وليس استيعابا سلبيا للمواد الأكاديمية والنظرية.»
15
وأجاب ديوي على انتقادات من يرون أن التعليم القائم على الأنشطة يفتقر إلى النظام والمنهجية؛ من خلال تحديد سمات الأنشطة التي تؤدي إلى التعلم الفعال، على خلاف التطبيقات غير المدروسة بما يكفي للمبادئ التقدمية التي تفترض أن الأفضلية متأصلة في أي نشاط يلغي عناصر الفصل الدراسي التقليدي القائم على وجود المعلم.
16
ووفقا لديوي، تبدأ الأنشطة التعليمية الفعالة بتوفير أمثلة للطلاب تحفز الشك في عقولهم، مثل المسائل التي ليس لها حل واضح، خاصة في الموضوعات التي تهم كل طفل على حدة. وفور غرس ذلك الشك، تصبح مسئولية المعلم هي توجيه محاولات الطالب إلى تبديد ذلك الشك بطرق منطقية.
لم يستخدم ديوي كلمة «منطق» لوصف النماذج الشكلية المنطقية التي طورها المفكرون منذ أرسطو وحتى الفلاسفة الذين عاصروا ديوي. وبدلا من ذلك، استخدم المصطلح في كتاب «كيف نفكر»؛ للإشارة إلى طريقة الاستنتاج المستلهمة من العلوم، التي تتمثل في اقتراح حل لكنه يظل حلا مبدئيا إلى أن تجمع البراهين وتجرى الاختبارات كي تؤكد محاولة الحل الأولى أو تدحضها. وفي حالة دحض محاولة الحل، تستمر سلسلة من التجارب العقلية المماثلة؛ مما يؤدي في النهاية إلى تعلم عميق ودائم.
Shafi da ba'a sani ba