Tunanin Wajibi Musulunci
التفكير فريضة إسلامية
Nau'ikan
فلن تجد لسنت الله تبديلا [سورة فاطر: 43].
ولكنه يؤمن كذلك بإمكان المعجزة؛ لأنها ليست بأعجب مما هو حادث مشاهد أمام الأبصار والبصائر، وليست هي بمحتاجة إلى قدرة أعظم من القدرة التي نشهد من بدائعها ما يتكرر أمامنا كل يوم وكل ساعة . وقد تسمى المعجزات في عرف المسلم بخوارق العادات، فلا يجوز لأحد أن ينكرها؛ لأننا تعودنا فيما علمناه في هذا العصر - على الأقل - أمورا كثيرة كانت في تقدير الأقدمين من خوارق العادات، وهي اليوم من الممكنات المتواترة، وما جاز فيما نعلمه يجوز فيما نجهله، وهو أكثر من المعلوم لنا الآن بكثير.
فمما كان من خوارق العادات عند الأقدمين أن تبلغ الحركة ما تبلغه من السرعة في تجاربنا العصرية، وأن يبلغ المكان ما يبلغه من صغر الأمد في كثير من تلك التجارب المحسوسة، فأصبحنا نعد من السرعة المحسوسة ما يزيد على عشرات الملايين من الأميال في الثانية الواحدة، ونحصر من المكان ما يقل عن جزء من مليون من القيراط تعيش فيه الأجسام والخلايا الحية، وتنمو منه جمهرة الخلائق، وربوات الأفلاك والأجرام.
وأصبح القول بأن هذا الحدث يحدث في جزء من ألف جزء من الثانية، وينتشر على آفاق من الفضاء تحسب بألوف الألوف من الأميال في الجهات الأربع. وقد كان هذا مستحيلا في رأي المحدودين من عباد العادات، ومنكري الخوارق فيما تعودوه، وبعضهم معدودون من الفلاسفة المفكرين. وأصح منهم بديهة، وأسلم منهم تقديرا جاهل يؤمن بالمعجزة، ويؤمن معها بخفايا الخلق، وأسرار الحياة، واتساع التقدير والاحتمال لكثير من الغرائب والطوارق والممتنعات في حكم الواقع والعيان.
فإن العقل الإنساني لا يصاب بآفة أضر له من الجمود على صورة واحدة يمتنع عنده كل ما عداها، فإما أن تكون الأشياء عنده كما تعودها وكرر مشاهدتها، وإما أن تحسب عنده في عداد المستحيلات. وأدنى من هذا العقل إلى صحة النظر عقل يتفتح لاحتمال وجود الأشياء على صور شتى لا يحصرها المحسوس والمألوف.
فليس من المستحيل عقلا أن يتم في ثانية ما تعودنا أن يتم في عام، ولا من المستحيل عقلا أن يحدث في قيد الشعرة ما كنا نظن أنه لا يحدث في غير الآفاق الفساح، وكذلك لا يستحيل عقلا أن ينعكس هذا فيتم في الزمن الطويل والأمد الفسيح ما تعودنا أن نراه في الزمن القصير والأمد الصغير.
ومن الأمثلة المقربة لهذا الاحتمال أن ننظر إلى الصور المتحركة كيف ينمو فيها النبات بطيئا في أيام وهو يرتفع أمامنا سريعا في لمحات، وأن ننظر إلى قوائم الفرس كيف يرتفع الحافر من الأرض، فيستغرق من الوقت على اللوحة البيضاء مثل ما يستغرقه العدو إلى نهاية المضمار. وإنما نستفيد من هذا النظر أن يأخذ العقل من الحس المشاهد درسا يتعلم منه أن اختلاف وقوع الحادث الواحد في الزمان والمكان شيء، والقول باستحالة وقوعه في غير هيئة واحدة شيء آخر.
فلا استحالة في خوارق العادات، ومن قال باستحالتها لزمه الإثبات؛ لأنه يدعي الاستحالة عقلا بغير دليل ... «وما من أحد يجرؤ، مثلا، على أن يقول باسم العلم: إن الإلهام بالغيب مستحيل؛ لأنه إذا جزم باستحالته وجب عليه قبل ذلك أن يجزم بأمور كثيرة لا يستطيع عالم أمين أن يقررها معتمدا على حجة أو سند قويم. ويجب على العالم الذي يجزم باستحالة الإلهام بالغيب أن يقرر لنا أنه عرف حقيقة الزمن، وعرف - من ثم - حقيقة المستقبل، ويجب عليه مع ذلك أن يقرر تجريد الكون من عنصر العقل غير عقل الإنسان والحيوان. فما هي حقيقة الزمن؟ هل هو موجود في الماضي والحاضر والمستقبل، أو هو يوجد لحظة واحدة ثم يزول؟ وما هي هذه اللحظة الواحدة؟ وما مدى إحاطتها بالبعيد والقريب من الأمكنة الشاسعة في هذه الأكوان؟ وهل المستقبل موجود الآن أو هو عدم يوجد لحظة بعد لحظة؟ وكيف يوجد العدم بعد أن لم يكن له وجود؟
إن العالم الذي يجزم في قول من هذه الأقوال باسم العلم يدعي على العلم كذبا، وينم عن عقل ضيق لا يصلح للنظر في هذه الآفاق ... وإذا كنا ننفي وجود المستقبل نفيا مقطوعا به مستندا إلى حجة أو بينة، فالغيب غير مستحيل، والعلم به لا يدخل في باب الممنوعات أو غير المعقولات، وإذا كان عنصر العقل في هذه الأكوان أكبر من أن يحصره رأس الإنسان وحده، فانتقال المعرفة منه إلى عقل الإنسان جائز جدا، أو جائز على الأقل كجواز الانتقال بين الأفكار على تباعد الأمكنة والعقول.»
1
Shafi da ba'a sani ba