Tunanin Wajibi Musulunci
التفكير فريضة إسلامية
Nau'ikan
ويصدق هذا من باب أولى على الفلسفة الإسلامية كما يصدق على الفلسفة الأجنبية، فلم تنقطع بحوث المعتزلة وعلماء الكلام لغير علة من علل السياسة لا تلبث أن تزول بزوال المعتلين بها.
وقد طرق المعتزلة وعلماء الكلام كل باب مغلق من أبواب الأسرار الدينية التي حجرت عليها الكهانات القوية في الديانات الأولى؛ فنظروا في العقيدة الإلهية، وفي أصول الخلق والوجود، وأحكام النبوءات، وعددوا الأقوال والآراء في كل باب من هذه الأبواب على أوسع مدى، وأصرح بيان، ووسعهم الإسلام جميعا وإن ضاق بفريق منهم في بعض الأحيان. •••
ومن البديهي أن أشياع الفرق يخطئون في مناقشاتهم، وأن الأمراء يخطئون في سياستهم، وأن الدين يتبعه المخطئ والمصيب، والخادع والناصح، فليس حكم الإسلام في مباحث الفلسفة برأي هذه الفرقة في تلك، ولا هو بحيلة هذا الأمير أو ذاك فيما يقصدان إليه من مآرب السياسة، وإنما حكم الإسلام هو حكم الكتاب والسنة المتفق عليها.
وليس في الكتاب ولا في السنة كلمة واحدة تحجر على التفكير في شأن من شئون الفلسفة، أو مذهب من مذاهبها ما لم تكن في المذهب الفلسفي موبقة غير مأمونة على الشريعة، أو على سلامة الجماعة، فلا جناح على الفيلسوف أن ينظر فيما شاء، وأن يفصح عن وجهة نظره كما شاء ...
وإذا بدا لنا أن نلتمس مقياس الحرية الفكرية من الواقع الماثل للعيان، أو من الناحية العملية التي تنكشف لنا في حياتنا اليومية؛ فهنالك إلى جانب الكتاب والسنة دليل على حرية الإسلام يتقرر بحكم التاريخ الواقع، ولا يلجئنا إلى تأويل الآيات والأحاديث. وهذا الواقع يقرر لنا دليله من روح الدين التي يوحي بها إلى جملة أتباعه في جملة عصوره.
فلم يكن من روح الإسلام التي أوحى بها إلى جماعاته أن يثير فيهم البغضاء للفكر والمفكرين، وأن يبيح لهم عقوبتهم بالتعذيب والإحراق والحرمان من حقوق الإنسان، ولم يكن هذا الدليل الواقعي من روح الإسلام مقصورا على وطن أو سلالة فيقال: إنه مستمد من تراث ذلك الوطن أو تلك السلالة، ولكنه عم بلاد المسلمين جميعا في عصور كثيرة، فلا يرجع به المؤرخ المنصف إلى وحي غير وحي الكتاب الكريم ...
وتتجلى سعة الدين الإسلامي في موقف الفلاسفة منه، كما تتجلى في موقف الدين من الفلاسفة؛ فإن كبار الفلاسفة المسلمين قد خاضوا غمار الأفكار الأجنبية بين يونانية وهندية وفارسية، وعرضوا لكل مشكلة من مشاكل العقل والإيمان، وتكلموا عن وجود الله ووجود العالم ووجود النفس، وخرجوا من سبحاتهم الطويلة في هذه المعالم والمجاهل فلاسفة مسلمين دون أن يعنتوا أذهانهم في التخريج والتأويل ...
ومنهم من ترجم أرسطو وأفلاطون إلى الإسلام فكرا وتقديرا، فلم يعسر عليه أن يذهب معهما إلى أقصى المدى في رأي العقل دون أن يخرج من حظيرة الدين ... •••
ونحن - فيما نعلم من مذاهب هؤلاء الفلاسفة الكبار - لا نرى فيلسوفا قال في الخلق والخالق ما ينكره المسلم المؤمن بالله والوحي، أو جنح به التعبير الفلسفي إلى قول يأباه السامع الذي تعود التعبير عن مسائل الدين بلغته العربية، وأسلوبه المتعارف بين جمهرة المتدينين ...
وأكبر الفلاسفة المسلمين الذين استوعبوا مسائل الفلسفة فيما وراء الطبيعة هم في الرأي الغالب بين مؤرخي الثقافة الإسلامية: أبو نصر الفارابي، وأبو علي ابن سينا في المشرق، وأبو الوليد بن رشد في المغرب، وكلهم قد اطلع على قسط وافر من فلسفة الحكيمين أفلاطون وأرسطو وطائفة من آراء الحكماء الآخرين، وليس فيهم من ذهب إلى رأي فيما وراء الطبيعة لا يذهب إليه الفيلسوف المسلم إذا تكلم بلغة الفلاسفة ... «والفارابي هو أول الفلاسفة المسلمين الذين تتلمذ لهم ابن سينا نوعا من التلمذة ... فقرأ له وانتفع بما قرأ في فهم مضامين الفلسفة اليونانية، وكان «المعلم الثاني» معلما كاملا له في معضلات الفلسفة الإلهية بجملتها؛ لأنه أضاف مسائل الحكمة الدينية إلى مسائل الحكمة المنطقية، وأدخل مسألة التوفيق بين العقل والوحي في حسابه، وقد كانت من المسائل الحديثة في الإسلام فلم يبل فيها أحد بلاء الفارابي، ولا جاوز أحد فيها مداه الذي انتهى إليه وإن تبعه في هذا المجال كثيرون ... ومن توفيقاته أنه سمى العقل الفعال بالروح الأمين، وسمى العقول بالملائكة، وسمى الأفلاك التي فيها العقول بالملأ الأعلى، وقال: إن صفات الله الأزلية هي المثل الأولى ...» «والذي اتفق عليه جلة الثقات أن فلسفة الفارابي فلسفة إسلامية لا غبار عليها؛ فلم ير فيها جمهرة المسلمين المعنيين بالبحث الفكري حرجا ولا موضع ريبة، ولا نخالها تغضب متدينا بالإسلام أو بغيره من الأديان ...»
Shafi da ba'a sani ba