Tafkir Cilmi
التفكير العلمي ومستجدات الواقع المعاصر
Nau'ikan
من خلال هذه الخطوات التي يحددها دوهيم، نجد أن الفرصة الحقيقية تقدم لنا بطريقة مقنعة، مجموعة من القوانين التجريبية. والاتفاق مع التجربة يعد بمثابة «المعيار الوحيد»
Sole Criterion
للصدق بالنسبة للنظرية.
61
لكن إذا افترضنا أن هدف العلماء يكمن في الاكتشاف في ضوء الوقائع المطردة في الجزء الملاحظ من العالم، فإن هذا يحتاج بالطبع إلى التجريب. بيد أن هذه الاطردات كثيرا ما نجدها معقدة. وهذا ما يجعل التصميم التجريبي في غاية الصعوبة والغموض. وهنا تأتي الحاجة إلى بناء نظريات ترشد البحث التجريبي؛ فالمعرفة مفترضة، فيما يرى دوهيم، بحيث تكون الملاحظة العلمية نظرية محملة
Theory Loaded ، مثل القياسات، وقرارات الخبرة في أول فهم الشيء، على العكس من الفكرة المطروحة عند التجريبية المنطقية وغيرها، التي تؤكد على أن الملاحظة - بدلا من ذلك - تبدو كافية للبرهان على صدق أو كذب النظرية، أو بعبارة أخرى، حل لمشكلة وليس إثارة. لكن المطلوب منها أن تكون السبب لمشكلات لا لحلولها. ومن منطلق أن نظرياتنا العلمية يستحيل أن نبرهن عليها بكونها صادقة أو كاذبة؛ ذلك لأنها غير مستنبطة من النتائج التجريبية. من هذا المنطق فإنه من غير الممكن أن يكون هناك تجربة تحكم على الفرض من فروض النظرية أو النتائج منفصلا. والسبب أنه من الصعوبة بمكان أن نجد فرضا بذاته يمتلك حيثياته من نتائج تجريبية، فإذا رمزنا إلى فرض نظري بصدد نظرية ب «ك» فإنه من غير الممكن أن يكون هذا الفرض أو ذاك قابلا للتكذيب مثلا، وذلك عن طريق فصله عن كل الفروض الأخرى للنظرية بغرض اختياره. الفروض النظرية ينبغي ألا تكون منفصلة لغرض الاختيار.
62
هذه أهم التوجهات والدواعي والتي جعلت دوهيم يصر على أن التجربة الحاسمة مستحيلة في الفيزياء. ولا شك أن هذا الموقف قد كانت له ردود فعل واسعة النطاق، من قبل كثير من فلاسفة العلم، لنذكر منهم، موقف كارل بوبر؛ حيث رفض فكرة تجنب التفنيدات التجريبية والتملص من التكذيب، وذلك بأن نضيف للنظرية فروضا مساعدة تتلافى في ضوئها مواطن الكذب، أو بأن ننكر التجارب المفندة. وفي هذا يقول: «أما بالنسبة للفروض المساعدة، فإننا نقترح أن نضع القاعدة القائلة: إننا نقبل الفروض المساعدة التي لا يكون إدخالها مفضيا إلى تقليل درجة قابلية التكذيب، أو قابلية اختبار النسق موضع التساؤل، وإنما على العكس من ذلك نقبل الفروض المساعدة التي تزيد من قابلية التكذيب أو قابلية الاختبار ... وإذا زادت درجة قابلية التكذيب، فقد أثر إدخال الفروض في النظرية فعلا. لقد كان النسق الآن محكما أكثر مما كان، ويمكن أن نوضح ذلك كما يلي: إن إدخال فرض مساعد يجب أن ينظر إليه دائما على أنه محاولة لبناء نسق جديد. وهذا النسق يجب الحكم عليه دائما في ضوء الاتجاه بأنه يؤلف تقدما حقيقيا في معرفتنا عن العالم.»
63
وفي موضع آخر يصب جام غضبه على المذهب الاصطلاحي ورواده بمن فيهم دوهيم، فيقول: «لقد أدرك كل من بوانكاريه ودوهيم استحالة تصور نظريات علم الطبيعة على أنها قضايا استقرائية. وقد تحقق لهما أن المشاهدات القياسية التي قيل إن التعميمات تبدأ منها، هي على العكس من ذلك، تأويلات في ضوء نظريات ... ومن ثم فالنظرية العلمية لا تحوي معرفة صادقة أو كاذبة، فهي ليست إلا أدوات لنا أن نقول عنها فقط إنها ملائمة أو غير ملائمة، مقتصدة أو غير مقتصدة، مرنة، دقيقة أو جامدة؛ لذلك نجد دوهيم يقول إنه لا توجد أسباب منطقية تمنعنا من أن نقبل في وقت واحد نظريتين متناقضتين أو أكثر ... وعلى الرغم من أنني أوافقهما على ذلك، إلا أنني أختلف معهما عندما اعتقدا باستحالة وضع الأنساق النظرية موضع الاختبار التجريبي، فلا بد أن تكون قابلة للاختبار - أي قابلة للتفنيد من حيث المبدأ وليست أدوات.»
Shafi da ba'a sani ba