Tafkir Cilmi
التفكير العلمي ومستجدات الواقع المعاصر
Nau'ikan
ومن الشواهد التي استخدمها بيكون ليعبر بها عن التجربة الحاسمة هو مثال «الإشارة بالأصابع
Instance of the Fingerposts » ليعبر به عن مفترق الطرق؛ حيث يذكر أن هناك نظريتين للمد والجزر؛ النظرية الأولى تقول إن المد والجزر يرجع إلى حركة المياه جيئة وذهابا على شواطئ الأرض. بينما النظرية الثانية تثبت أن المد والجزر يرجع إلى حركة الصعود والهبوط الدوري للمياه، وهنا يتساءل بيكون: «أي من هاتين النظريتين صادق وأيهما كاذب؟» وهنا يجيب بيكون بأنه اكتشف من خلال ملاحظاته أن شخصا ما ممن يجيدون السباحة إذا ألقى نفسه من مكان عال ليسقط على حمام السباحة، فإن المياه تندفع في الجزء المقابل للحمام، فيحدث هبوط للمياه أثناء لحظة السقوط وصعود في الجزء المقابل؛ هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى يذكر بيكون أن أحد الباحثين اكتشف أنه في حالة وجود فيضان على شواطئ فلوريدا هناك ارتفاع وانخفاض وقتي للمياه، وفي نفس الوقت واللحظة لا يكون هناك ارتفاع وانخفاض للمياه على شواطئ إسبانيا وأفريقيا . ونفس الشيء كذلك أنه في حالة وجود فيضان على شواطئ بيرو فإن هناك ارتفاعا وانخفاضا وقتيا للمياه، وفي نفس الوقت واللحظة فإن المياه على شواطئ الصين لا يكون هناك فيها ارتفاع وانخفاض للمياه. وهنا توصل بيكون إلى أن النظرية الثانية أصدق من النظرية الأولى؛ فقد كشفت النظرية الثانية أن المد والجزر ظاهرتان طبيعيتان تحدثان لمياه المحيطات والبحار بتأثير من القمر؛ فالمد هو الارتفاع الوقتي التدريجي في منسوب مياه سطح المحيط أو البحر، والجزر هو انخفاض وقتي تدريجي في منسوب مياه سطح المحيط أو البحر.
5
وفي القرن الثامن عشر استخدم «نيوتن» لأول مرة لفظ
Experimentum Crucis
في سنة 1672م، وذلك من خلال الخطاب الذي أرسله للجمعية الملكية للعلوم يخبرها عن اكتشافه الجديد في الضوء واللون، وهذا الاكتشاف يرد فيه «نيوتن» على التفسير الميكانيكي-الديكارتي للألوان، والذي يعول فيه «ديكارت
Descartes (1596-1650م)» أن «الألوان ميكانيكية، وأن المنشور هو الذي يحول الضوء الأبيض إلى ألوان». لكن هذه النظرية في نظر «نيوتن» لم تكن كافية، بل غامضة أيضا. وهنا قام بإجراء تجربة حاسمة للكشف عما يحدث عندما يمر ضوء الشمس الأبيض خلال منشور. وقد عمد نيوتن إلى عمل ثقب صغير في النافذة حصل بوساطته على حزمة ضيقة من ضوء الشمس، فاعترض سبيلها بمنشور قبل أن تسقط على ستارة بيضاء أو حاجز خلفه على قرب منه؛ فبدلا من أن يشاهد صورة مستديرة (كالتي يحصل عليها من آلة التصوير ذات ثقب الدبوس) للشمس على الحاجز، كما هي في الحالة من غير المنشور، رأى صورة مستطيلة ذات لون خفيف من الزرقة في قمتها، ولونا خفيفا من الحمرة في القاعدة. ولقد ألهمته هذه النتيجة وقادته إلى فكرة أن ضوء الشمس الأبيض يمكن أن يتكون من أشعة مختلفة الألوان؛ من الأشعة الزرقاء الأكثر قابلية للانكسار، إلى أقلها قابلية للانكسار، وهي الأشعة الحمراء. وإذا كان الأمر كذلك، فلا بد من أن تتكون الصورة المستطيلة التي على الحاجز من عدة صور متداخلة للشمس لها ألوان مختلفة، فلا يبقى غير أحد طرفيها النهائيين أزرق خالصا ، كما يبقى الطرف الآخر أحمر نقيا، ولكن لكي يتخلص من تداخل صور الشمس على الحاجز أدخل نيوتن على حزمة الضوء عدسة تعمل على تجميع صورة الثقب الصغير الذي بالنافذة على الحاجز. وعند ذلك قنع برؤية حزمة رأسية ذات ألوان ناصعة؛ الأحمر، البرتقالي، الأصفر، الأخضر، الأزرق، والبنفسجي، مع جميع الظلال المتخللة أو المتوسطة بين كل زوج منها. وكان هذا أول جهاز من أجهزة المطياف أو «سبكتروسكوب»، وأول برهان حاسم على الحقيقة القائلة إن الضوء الأبيض يتكون من أشعة ذات ألوان مختلفة وتتباين قابليتها للانكسار.
6
وفي هذه التجربة تمكن «نيوتن» من أن يوجد برهانا حاسما يثبت أن رواية «ديكارت» حول أصل اللون محض كذب وهراء؛ فقد اعتمد على سؤال هو: هل أصل الضوء الأبيض صاف، وهل المنشور يصنع الألوان بأن يعدلها كما ادعى ديكارت؟ اختبر «نيوتن» هذا التوكيد بأن حفر ثقبا في شاشة مجيزا لجزء الطيف الأحمر فقط من المرور من خلاله، وقد شكل ذلك لحظة الحقيقة؛ بمعنى إذا كان «ديكارت» محقا، فإن المنشور ثانيا قد يتسبب بتعديل الضوء الأحمر، وينتج عن ذلك ألوان جديدة؟ أما إذا كان «نيوتن» محقا فإن الضوء الأحمر يبقى كما هو ولا يتبدل؟ ولأن الضوء الأحمر مر عبر المنشور الثاني من دون أي تعديل، فإن اختبار «نيوتن» الحاسم برهن على أن المنشور لا يعدل الألوان، وأثبت أن الألوان كالأحمر على سبيل المثال هو لون أساسي، وأن الضوء الأبيض قد تشكل نتيجة دمج الألوان المختلفة لأنه يحتوي على كل ألوان قوس قزح. كما كان نيوتن أول من أثبت من خلال تلك التجربة الحاسمة أن الضوء الملون يمكن تركيبه ليكون ضوءا أبيض. كما أدرك نيوتن أن الأشعة الضوئية ذاتها ليست ملونة، ولكن الإحساس باللون ينتج في الدماغ. باستنتاجه هذا تمكن نيوتن من اختراع التلسكوب العاكس ليتغلب على مشكلة الألوان التي تظهر في التلسكوبات المعتمدة على الضوء المنكسر.
7
Shafi da ba'a sani ba