159

Tafkir Cilmi

التفكير العلمي ومستجدات الواقع المعاصر

Nau'ikan

لقد سادت الفيزياء التقليدية بعض التصورات، كفكرة الزمان، والمكان، والأثير، هذا إلى جانب اقتصار منهج تلك الفيزياء على التحديد الفردي للظواهر، وذلك بمعرفة سرعاتها الأصلية ومواضعها في لحظة معينة، ولكن سرعان ما واجهت تلك الفيزياء ظواهر جديدة لا تقبل تحديدها الفردي ولا صياغتها القائمة على النزعة التقليدية. ويعد القانون الثاني لنظرية القوى الحرارية - مبدأ «كورنو» - أول تاريخ لبداية هذه الأزمة في الفيزياء التقليدية، ثم توالت الظواهر التي ساهمت في تعميق الأزمة وفي مضاعفة حدتها، كحركة الغازات والحركة البراونية والتحلل التلقائي لذرات الراديوم. وكانت جميعا تدعيما لنوع جديد من الظواهر تتميز باللاارتدادية وبعدم القابلية للتحديد الفردي. وكان حساب الاحتمالات هو الصياغة الكمية الجديدة لهذه الظواهر جميعا.

10

وشهدت بداية القرن العشرين، نظريات فيزيائية جديدة، لتحديد التركيب الداخلي للذرة، وقامت هذه النظريات على دراسة ظواهر الإشعاع. وتتميز هذه الظواهر كذلك بالمميزات السابقة من لاارتدادية وعدم إمكانية على التحديد الفردي؛ وبالتالي ضرورة تطبيق حساب الاحتمالات عليها لدراستها وتحديد انتظاماتها. وكانت مسألة طبيعة الضوء من أهم موضوعات الدراسة في تحديد التركيب الداخلي للذرة؛ ذلك لأن الحركة الداخلية للذرة تتم دراستها عن طريق إشعاعاتها. وكان الضوء تتنازعه نظريتان؛ نظرية جسيمية وأخرى موجية؛

11

وقد تم حسم هذا النزاع من خلال التجربة الحاسمة التي أجراها فوكو

Foucault (1819-1868م) لاتخاذ قرار بصدد تصورين عن طبيعة الضوء متنافسين. أحد التصورين قدمه «هويجينز

Huygens » وطوره فيما بعد «فريزنيل» و «يونج»، اللذان قالا بأن الضوء يتألف من موجات عرضية منتشرة في وسط أثيري. وكان التصور الثاني لطبيعة الضوء، هو تصور «نيوتن

Newton »، القائل بأن الضوء يتألف من جزئيات صغيرة للغاية متطايرة بسرعة عالية؛ فقد ترتب على كلا الفرضين أنه أصبح بالإمكان استخلاص النتيجة القائلة بأن أشعة الضوء تتطابق مع قوانين الانتشار للأشعة الضوئية في خطوط مستقيمة من جانب، وتتطابق أيضا مع قوانين الانعكاس والانكسار الضوئية، ولكن التصور الموجي أدى إلى اللزوم الاختباري القائل بأن الضوء يسير في الهواء أسرع منه في الماء، بينما التصور الجسيمي يؤدي إلى نتيجة مضادة. وفي سنة 1850م نجح فوكو في إجراء تجربة قارن فيها بين سرعة الضوء في الهواء مباشرة فأنتجت صورتين لنقطتين ضوئيتين منبعثتين بواسطة أشعة الضوء المارة عبر الهواء والماء على التوالي، ثم تعكسان في مرآة تدور بسرعة فائقة. واعتمادا على أن سرعة الضوء في الهواء أعظم أو أقل منها في الماء تظهر صورة المصدر الضوئي الثاني؛ ولذلك أمكن أن توضع بإيجاز اللزومات الاختبارية المتضاربة التي تضبطها هذه التجربة على النحو التالي: إذا أجريت تجربة فوكو تظهر الصورة الأولى إلى يسار الصورة الثانية. وقد أبانت التجربة عن أن اللزوم الاختباري الأول كان صادقا. واعتبرت هذه النتيجة دحضا، وعلى نطاق واسع، للتصور الجسيمي للضوء، وانتصارا حاسما للتصور الموجي.

12

لكن سرعان ما اكتشف «ماكس بلانك» - صاحب ميكانيكا الكوانتم في القرن العشرين - خطأ رأي فوكو، وأثبت بالتجربة أن قوام الضوء فوتونات

Shafi da ba'a sani ba