112

Tafkir Cilmi

التفكير العلمي ومستجدات الواقع المعاصر

Nau'ikan

وأعلن سوكال في مقاله هذا أن الأمر كله خدعة، وأوضح أن الصحيفة كانت سعيدة جدا لحصولها على مقال لعالم فيزيائي جشم نفسه مشاق تعلم لغتها، مما حداها على نشر المقال من دون السؤال عما إذا كان فيما يقوله أي معنى مفهوم.

9

وعلى ذلك سوف تكون عنايتنا موجهة في هذه الدراسة نحو الكشف عن «إشكالية حروب العلم في ضوء خدعة آلان سوكال»، ولا أخفي على القارئ أن سبب اختياري لتلك الإشكالية، هو حداثة هذا الموضوع؛ فهو وليد الساعة، ولا توجد عنه أية دراسة عربية-فلسفية لا من قريب ولا من بعيد في عالمنا العربي. وليس أدل على ذلك مما وصفه بعض كتابنا المعاصرين بشأن خدعة سوكال، بأنها «سارت بذكرها الركبان - وأعرض عنها إعلامنا الثقافي الوسنان - لما لها من دلالة فائقة تتصل، في العمق، بقيمة ومدى مشروعية المقاربة «المباحثية» لقضايا نظرية العلم».

10

ولذلك فإننا في هذا البحث نسعى إلى تحليل قضية «حروب العلم في ضوء خدعة آلان سوكال»؛ حيث نبرز عناصرها الأساسية عبر تطورها، ثم نحاول أن نعيد بناءها في ضوء المناقشات التي أحاطت بها. وعلى هذا فإن هذا البحث يرمي إلى فهم وتأويل خدعة سوكال، والتي على إثرها تم إشعال حروب العلم. وقد اعتمدنا في هذه المهمة على منهجين، هما المنهج التاريخي والمنهج النقدي. وقد استخدمنا المنهج التاريخي؛ بمعنى الرجوع للوقائع التاريخية التي أدت إلى ظاهرة حروب العلم. واستخدمنا كذلك المنهج النقدي بمعنى فحص وتحليل النتائج التي انتهي إليها سوكال في خدعته، على أساس الأهداف التي حددها في فلسفته لإشعال حروب العلم.

ومن هذا المنطلق قمنا بمعالجة «إشكالية حروب العلم في ضوء خدعة آلان سوكال»، في ثلاثة أبعاد: (1)

البعد التاريخي، وفيه نحاول الكشف عن الأبعاد الحقيقية لقضية حروب العلم؛ حيث نوضح أن حروب العلم نشأت بسبب الهوة العميقة بين المشتغلين بالعلوم الطبيعية، والمشتغلين بالعلوم الإنسانية منذ القرنين السابع عشر والثامن عشر، وأن هذه الهوة قد اتسعت منذ أيام «تشارلز بيرس سنو

Charles Percy Snow (1905-1980م)»؛ علاوة على أننا سوف نبين في هذا البعد أهم الأسباب والدواعي التي أدت إلى إشعال حروب العلم؛ حيث نناقش موقف فلاسفة العلم المعاصرين من الموضوعية ودور البناء الاجتماعي للمعرفة. (2)

البعد الفلسفي، وفيه نبين أهم المضامين الفلسفية التي كشفت عنها خدعة سوكال، وكيف تمكن «سوكال» من أن يفضح فكرة ما بعد الحداثة ويبين كم هي جوفاء؛ فهي في مداها البعيد والقريب تطرح فكرة أن الجهل باللغة وسوء استخدامها هو المسئول عن الإخفاق العقلي والفوضى الروحية التي سادت التفكير الغربي. (3)

البعد النقدي، وفيه نكشف عن مواقف وتوجهات «سوكال» النقدية والنقضية إزاء إبستمولوجيا ما بعد الحداثة؛ حيث نعرض أهم النصوص التي عول عليها سوكال لتفنيد فكر ما بعد الحداثة، ثم الكشف عن الهراء اللغوي الذي وقع فيه.

Shafi da ba'a sani ba