Tunatarwar Rashid
تذكرة الراشد برد تبصرة الناقد
Nau'ikan
وإلى قول المؤرخ ابن خلدون(1) في ((مقدمة تاريخه)): اعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم الفائدة في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا، فهو محتاج إلى مآخذ متعددة، ومعارف متنوعة، وحسن نظر وتثبت؛ يفضيان بصاحبهما إلى الحق، وينكبان به عن الزلات والمغالط؛ لأن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل، ولم تحكم أصول العادة، وقواعد السياسة، وطبيعة العمران، والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولا قيس الغائب منها بالشاهد، والحاضر بالذاهب؛ فربما لم يؤمن فيها من العثور، ومزلة القدم، والحيد عن جادة الصدق، وكثيرا ما وقع للمؤرخين، والمفسرين، وأئمة النقل، المغالط في الوقائع والحكايات؛ لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثا أو سمينا، لم يعرضوها على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة، والوقوف على طبائع الكائنات، وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار، فضلوا عن الحق، وتأهوا في بيداء الوهم والغلط سيما في إحصاء الأعداد من الأموال والعساكر، إذا عرضت في الحكايات، إذ هي مظنة المكذب، ومطية الهذر، ولا بد من ردها إلى الأصول، وعرضها على القواعد. انتهى(1).
وإلى قوله(2) قبيل ذلك: إن فحول المؤرخين في الإسلام، قد استوعبوا أخبار الأيام، وجمعوها وسطروها في صفحات الدفاتر، وأودعوها، وخلطها المتطفلون بدسائس من الباطل، وهموا فيها، أو ابتدعوها، وزخارف من الروايات المضعفة لفقوها ووضعوها، واقتفى تلك الآثار الكثير ممن بعدهم، واتبعوها، وأدوها إلينا كما سمعوها، ولم يلاحظوا أسباب الوقائع والأحوال، ولم يراعوها، ولا رفضوا ترهات الأحاديث، ولا دفعوها، فالتحقيق قليل، وطرف التنقيح في الغالب كليل، والغلط والوهم نسيب للأخبار وخليل، والتقليد عريق في الآدميين وسليل، والتطفل على الفنون عريض وطويل، ومرمى الجهل بين الأنام وخيم وبيل. انتهى(3).
Shafi 125