الوجود إما أن يكون محتاجا إلى الغير ، فتكون حاجته إلى الغير مقومة له ، وإما أن يكون مستغنيا عنه ، فيكون ذلك مقوما له. ولا يصح أن يوجد الوجود المحتاج غير محتاج ، كما أنه لا يصح أن يوجد الوجود المستغنى محتاجا ، وإلا قد تغير وتبدل حقيقتهما.
عند الجمهور العلية هى هى صيرورة العلة علة ، إذ لم يجدوا فاعلا إلا بعد أن لم يكن فاعلا ، ولم يعرفوا فاعلا يفعل دائما ، فظنوا أن العلة هى ما يصير علة بعد أن لم يكن ، إذ الفاعل الذي يعرفونه لا يخلو من أن يكون فاعلا بعد أن لم يكن. ثم لا يكون عندهم هذا التفصيل الذي ذكرناه ، أى حقيقة ما ذكرناه ، إذ لا يعرفون الفرق بين ما هو علة على الإطلاق ، وبين ما يصير علة. فقد بان أن ذات المعلول لا تنفك عن ذات العلة ، وأنه لا يصح أن تبقى مع عدم العلة. اللهم إلا أن تكون العلة لشىء آخر لا لوجود المعلول ، كما ذكرنا من حال البناء والأب. ويتبين من هذا أن علة الوجود يجب أن تكون مباينة لذات المعلول ، لأنه لو كانت مفيدة لوجود ذاتها ، لكانت قابلة لا فاعلة ، لكن العلة المفروضة هى علة الوجود فقط ، وإن العلة الأولى المطلقة واجبة بذاتها ، ولو كانت مفيدة الوجود لذاتها ، للزم أن تكون موجودة قبل إيجادها لذاتها ، فلا يجوز أن يكون شىء بسيط فاعلا وقابلا معا ، فإنه يكون هناك اثنينية ، فلا خلاف أنه يكون هناك قبول.
إن لج لاج وقال : إن العقل لا يصح إلا بعد أن يكون المعقول معدوما ، وقد سمع أن عدم المعقول ليس من الفاعل ، بل الوجود منه. والوجود الذي منه فى آن ، فليفرض ذلك متصلا إلى ما لا نهاية ، حتى لا يكون آن أولى من آن فيه يفيد الوجود ، فلا يكون الآن متخصصا متعينا. وإذا كان هذا الآن متصلا ، فغير واجب أن يسبقه العدم ، لأنه ليس يلزم أن يكون قبله آن ، فإنه آن مطلق غير متعين. فإن أزاغه عن هذا الحق قوله بأن الشىء الذي يكون موجودا لا يوجده موجد ، فليعلم أن المغالطة وقعت فى لفظة «يوجده» : فإن عنى أن الموجود لا يستأنف له وجود بعد ما لم يكن ، فهذا صحيح ، فإنه مستحيل أن يقال الموجود استؤنف له وجود بعد ما لم يكن. وإن عنى أن الموجود لا يكون البتة ، بحيث ذاته وماهيته لا تقتضى الوجود له ، بما هو هو ، بل شىء آخر هو الذي منه الوجود. وتحرير هذا المعنى أنه عنى بلفظة «يوجد» أنه لا يفيد لذلك ، أى أنه عنى أن الموجود يكتفى بذاته عن مفيد له الوجود ، فإن ذاته لا تكون البتة غير مقتضية لوجوده ، إنما يقتضى
Shafi 179