آخر يمانعه. ومعنى ممانعة المعلوم الآخر الذي يمانعه هو مثلا أن يكون داع يدعو على إنسان بالبوار ، وبواره يتم فساد مزاجه. ويكون معلوما له أيضا من جانب آخر أن ذلك المزاج يجب أن يكون صحيحا ، فلا يصح أن يكون الدعاء مستجابا. وقوله : «من جانب آخر» أى من أسباب ذلك المزاج. وإن علم من أسبابه أنه لا يجب أن يكون صحيحا كان الدعاء مستجابا فلا يكون هناك ممانعة معلوم آخر. ولذلك يجب أن لا يدعو أحد على أحد فإنه لا محالة قد علم فى سابق علمه أن هذا الداعى يدعو فإذا دعا دل على أنه كان معلوما له ، وكل ما كان معلوما له فلا يمتنع وجوده.
الأول هو السبب فى لزوم المعلومات له ووجوبها عنه ، لكن على ترتيب وهو ترتيب السبب والمسبب فإنه مسبب لأسباب ، وهو سبب معلوماته ، فيكون بعض الشىء متقدما علميته له على بعض ، فيكون بوجه ما علة لأن عرف الأول معلولها وبالحقيقة فإنه علة كل معلوم وسبب لأنه علم كل شىء. ومثال ذلك أنه علة لأن عرف العقل الأول ، ثم إن العقل الأول هو علة لأن عرف لازم العقل الأول فهو وإن كان سببا لأن عرف العقل الأول ولوازمه فبوجه ما صار العقل الأول علة لأن عرف الأول لوازم ذلك العقل الأول. والأمر فى الدعاء (53 ا) كذلك فإنه بالحقيقة هو السبب فى دعاء الداعى وسبب للداعى ثم إن الداعى هو سبب لأن عرف دعاءه فإنه بوساطته يكون الدعاء معلوما له ، فيكون الداعى بوجه ما سببا لأن عرف الأول دعاءه وليس يؤثر الداعى بالحقيقة فى الأول بل هو بالحقيقة المؤثر لا الداعى.
العقل البسيط هو أن يعقل الشىء ولوازمه إلى أقصى الوجود معا ، لا بقياس وفكر وتنقل فى المعقولات ومعرفة الشىء أولا واللوازم ثانيا بل كما يحضر الذهن فيك أنت معنى ما معقولا : حضر الذهن معه لوازمه وأسبابه وعلله من غير أن يحتاج إلى مقايسة وفكر بل يكون نفس عقلك للمعنى نفس عقلك لأسبابها وعللها ولوازمها ، وذلك بأن تكون قد حصلت أولا معرفة المعنى ومعرفة اللوازم والأسباب والعلل وحصلت كلها حاضرة فى ذهنك فلا تحتاج فيها إلى تنقل صور من شىء إلى شىء. فهذا النحو من التعقل بسبب تعقل الأول لذاته وللوازم عنها وللموجودات كلها : حاصلها وممكنها أبدياتها وكائنها وفاسدها وكليها وجزأيها ، فإنه يعقلها كلها معا على الترتيب السببى والمسببى وهو تعقلها من ذاتها لأنها فائضة عنه وذاته مجردة. فهو عاقل ذاته وذاته معقولة فهو عاقل ومعقول ، والموجودات كلها معقولة على أنها عنه لا فيه.
Shafi 152