Abinci a Duniyar Da
الطعام في العالم القديم
Nau'ikan
ربما نجد روابط ذهنية بين كل من قدرة الذواقة على التمييز بين الفروق الدقيقة في النكهة والقوام - وهي مهارة تتحقق بالممارسة وكذلك بامتلاك حاسة تذوق رفيعة - وفكرة الانغماس في الملذات والإسراف والضعف الشخصي وانعدام ضبط النفس. إن تقدير الطعام الراقي يصب في الخانة نفسها - إلى جانب الشعر والأدب والفنون - إذ إنه يزدهر بصفته شيئا لا يحظى بإقبال كبير إلا عند الاطمئنان لتوافر الثراء والاستقرار والأمان.
من اللافت للنظر أن من يطهون الطعام عادة يكونون من الرجال ويتسمون بمظهر رجولي مبالغ فيه. حين نأخذ جولة في مطابخ بريطانيا، سنجد طهاة يبدون أقرب إلى لاعبي كرة قدم مجهدين منهم إلى مصففي شعر، وكلما كنت أنيقا وتميل لتناول الطعام برقة، كان من الأرجح أن تلقى رجلا قويا في المطبخ؛ فأهم طاهيين لدينا في السنوات الأخيرة - جوردون رامساي وماركو بيير وايت - معروفان بأسلوبهما الصارم والمنضبط والمغامر في المطبخ.
غالبا ما كان الطعام الراقي آنذاك - مثلما هو في الوقت الحاضر - حكرا على الموسرين؛ فمن كانوا يأكلون أطعمة الباعة الجائلين والأطعمة النشوية الأساسية كانوا سيزدرون مثل هذا التدليل والترف، وكانوا سيشعرون بالطبع بشيء من الحسد. وكان الاعتدال وضبط النفس عند تناول الأسماك واللحوم - وهي الأطباق الإضافية المكملة للوجبة - بين الطبقات الثرية هو السلوك النموذجي؛ أما من كانوا يأكلون أكثر مما هو متوقع، فكان ينظر إليهم على أنهم نهمون وغير مهذبين. ويساعد هذا في إيضاح الحل الأمثل للضغوط المتعارضة، وهو إظهار أن المرء غني إلى حد يمكنه من فهم الطعام الطيب وتقديره، ولكنه يتمتع بالاعتدال وضبط النفس اللذين يمكنانه من تقليل حد التمادي في إشباع شهيته.
الفصل السابع
الطعام في الفكر القديم
إن أول سؤال في مجموعة الأسئلة الأربعين التي تتعلق بالتجمعات الاحتفالية والمآدب، سيتناول المناقشة التي اشتركنا فيها بخصوص التنوع في النظام الغذائي بمناسبة إقامة مأدبة أثناء احتفال إلافيبوليا، الذي توجهنا من أجله إلى هيامبوليس. وعند وصولنا إلى هناك، دعانا الطبيب فيلو إلى مأدبة عشاء، وقدم لنا وليمة فاخرة، كما رأينا. حين لاحظ مضيفنا أن أحد الصبية الذين جاءوا بصحبة فيلينوس تناول الخبز ولم يطلب شيئا آخر ... أسرع ليحضر لهم شيئا يأكلونه. وعاد بعد فترة طويلة ومعه بعض التين المجفف وشيء من الجبن ليقدمه لهم، وقلت أنا: «هذا هو ما يحدث حين يقدم الناس لضيوفهم طعاما منمقا ومكلفا.»
يناقش بلوتارخ وأصدقاؤه السؤال المتعلق بما إذا كان النظام الغذائي المتنوع أسهل في الهضم من النظام الغذائي البسيط؛ وهو سؤال طبي طرح في مناسبة اجتماعية في يوم احتفال بآرتيميس في منطقة فوكيس وسط اليونان. يناقش هذا الفصل الفكر القديم فيما يتعلق بالحيوانات والنباتات والمناقشات الفلسفية التي دارت حول الطعام ومناسبات تناول الطعام، والتي كانت مناسبات ممتعة - غالبا لدى البعض - ومن ثم خلافية.
رأينا أمثلة كثيرة للأسلوب الذي كان يعتقد أن الطعام يتناسب من خلاله مع النظام المتحضر ومع العالمين الأكبرين؛ وهما الأرض بأكملها والكون بأكمله. ففي الفصل الأول، وضح طبيب ينتمي لمدرسة أبقراط كيف تطور المجتمع البشري من همجية عصور ما قبل التاريخ - التي كان البشر الأولون مضطرين فيها لتناول الأطعمة النيئة كما تفعل الحيوانات البرية - حتى وصل المجتمع البشري لنظامه الحالي الذي يعتمد على الأطعمة المطهية التي كانت تناسب الجسم البشري. وهكذا، أصبح من الممكن توظيف مهارات الطهي للحضارات البشرية المتقدمة في تحضير الطعام بالطريقة الأصلح والأنسب للجهاز الهضمي للإنسان، الذي كان يعتقد أنه في حد ذاته عبارة عن عملية طهي طبيعية. ويكمن مثال ثان في أسطورة بروميثيوس التي عبرت عن المكانة الضعيفة التي تحتلها البشرية في الكون، باعتبارها مخلب القط بين بروميثيوس الذي ينتمي للجبابرة، وزيوس من آلهة جبل الأوليمب. وفي النهاية، ترسخت مكانة للبشرية أقل بكثير من مستوى الآلهة، ولكنها أعلى من مستوى الحيوانات (راجع أيضا الفصل الثالث). وقدست هذه المكانة - إذا جاز التعبير - في تقديم قرابين تتألف من الشكل الأدنى من أشكال الحياة وهو الحيوان، إلى الشكل الأعلى وهو الإله.
وفي هذا الفصل، أستعرض مكانة الطعام والحيوانات في النظام الكوني، معتمدا على أمثلة مثل كتاب «طيمايوس» من تأليف أفلاطون، وبحث «الحمية 1» من تأليف أبقراط. ثم أستعرض في إطار النظام المتحضر تصنيف أو ترتيب النباتات والحيوانات من حيث علاقتها بالبشر، وأخيرا أناقش الشأن الأهم المرتبط بالطعام في الفكر القديم، وهو مخاطر المتعة والترف. ورأينا من قبل هذه الأمثلة كاعتراضات بلينوس الأكبر على المحار وثمار الحرشف.
يضع بحث «الحمية 1» - وهو البحث الأول من مجموعة من أربعة أبحاث ألفها أبقراط عن الطعام والنظام الغذائي - الإنسان والحيوان داخل القوى الكونية مثل النار والماء. وفي نظرية قائمة على هيراكليتوس وغيره من الفلاسفة الذين ينتمون لعصور تسبق عصر سقراط، يوضح المؤلف أن هذه المبادئ تتضارب باستمرار في الكون وعلى الأرض. وعلى مستوى البشر، فإن الروح هي مزيج من النار والماء (7)، والجسم يغذيه ويقويه الطعام. والمعدة في الواقع (10) عضو مهم يرعى ما يفيد الجسم ويقضي على ما يضره عن طريق تعديل نسب النار والماء. تمضي هذه الوثيقة البارزة بعدئذ لتوضح كيف أن النار والماء هما أساس النظام الاجتماعي والثقافي للبشر في بحث «الحمية 2» إلى بحث «الحمية 4» (راجع للاستزادة الفصل الثامن).
Shafi da ba'a sani ba