Abinci a Duniyar Da
الطعام في العالم القديم
Nau'ikan
يتعلق هذا الفصل بالنبيذ والمشروبات الكحولية والحفلات الاجتماعية - لا سيما وسائل الترفيه - التي كانت تصاحب احتساء النبيذ. والفكرة الأولى المراد إثباتها هي أن شرب النبيذ - الذي كان عادة ما يخفف بالماء - كان منتشرا في أنحاء البلدان الإغريقية الرومانية، حتى إن مصطلح «شارب الماء» كان يستخدم استخداما بلاغيا كإهانة. كان النبيذ من المواد القليلة المسببة للإدمان في العصور القديمة؛ ولذلك كان استخدامه يخضع لمراقبة القانون في بعض الأحيان. وثمة ادعاءات على الأقل بوجود قوانين من هذا النوع تتعلق بالنساء في ظل الجمهورية الرومانية. وكان شرب النبيذ يرتبط بعدد كبير من الطقوس الدينية، منها ما يؤديه الناس في الاحتفالات الرسمية وكذلك في المنزل. وكان إنتاج النبيذ والاتجار به من الأنشطة التي لها أهمية اقتصادية كبرى. وكان النبيذ يرتبط كذلك بإلهام الكتابة والغناء، وذلك من خلال المظهر الاجتماعي الذي يعبر عن النبيذ ويتمثل في جلسة الشراب. وكانت جلسة الشراب القديمة مناسبة تشهد إلقاء الكثير من الأشعار، وكان الشعر يعبر عن ذلك (بووي 1986)، وسوف نستشهد بأمثلة من كزينوفانيس وسافو وثيوجنيس وأناكريون فيما يأتي. وكانت تنشأ عن جلسات الشراب القديمة تأملات فلسفية، وكانت الألعاب والأنشطة المرتبطة بجلسات الشراب تنشأ عنها كتابات أدبية كثيرة، وأفضل مثال لذلك يتمثل في الأعمال الأدبية اللاتينية في شعر هوراس، وفي الأعمال الأدبية الإغريقية مثل كتابات أثينايوس.
شكل 6-1: لوحة فسيفساء تصور مباراة لاحتساء الخمور بين ديونيسوس (إله الخمر) وهرقل (نصف الإله الشره)، عثر عليها في أنطاكيا في سوريا، في عام 100 ميلاديا تقريبا. وفيها يظهر إله ونصف إله يتنافسان في مباراة لاحتساء الخمور، وأواني الشراب موضوعة في مقدمة اللوحة. يحتفظ الإله الذي يظهر في وضع الاتكاء بهدوئه وهو الرابح كما هو واضح. كثيرا ما كان الجالسون لتناول الطعام يحظون برؤية رسوم على الأرضيات والجدران والصحون تصورهم أو تصور نسخا أسطورية من أنفسهم؛ وذلك للمساعدة على التفكر في العالم المتحضر داخل غرفة الطعام (حقوق الطبع والنشر محفوظة لمتحف ورسيستر للفنون، في ولاية ماساتشوستس، مصدر الصورة:
www.bridgemanimages.com/en-GB/ ).
كان أنثيستيريا عيدا لديونيسوس، وكان الإغريق يؤمنون بأن ديونيسوس إله يشوبه الغموض؛ إذ كان - على حد تعبير يوربيديس - رهيبا جدا ولطيفا جدا في آن واحد، وكان يتعدى الحدود الفاصلة بين المتناقضات؛ إذ كان يمزج الذكوري بالأنثوي، والإغريقي بالأجنبي، وعالم المدن بعالم الطبيعة، وكان من الآلهة التي ترتبط ذهنيا بالموتى وكذلك بالأحياء. وهو أيضا الذي أدخل العنب إلى اليونان، وكانت لهذا الإله المرتبط بعالم الطبيعة القدرة على خلق الأطعمة - مثل الحليب والعسل - تلقائيا من الصخور والنباتات، كما يصف يوربيديس في مسرحيته «الباخوسيات»، وكان بوسعه أيضا أن يجعل الأنهار تجري بالنبيذ بدلا من الماء. ويصف فيلوستراتوس لوحة جدارية يتخيل أنها موجودة في منزل في نابولي (كتاب «الأيقونات» 1، 25):
نهر النبيذ الذي يجري على جزيرة أندروس - وأهالي أندروس الذين أسكرهم النهر - هو موضوع هذه اللوحة؛ فبفضل ديونيسوس، أصبحت أرض أهالي أندروس مليئة بالنبيذ، حتى إنه يتفجر منها وينساب إليهم نهرا؛ فإذا كنت تظن أنه يتدفق بالماء فهو ليس نهرا عظيما، أما إذا كان يتدفق بالنبيذ فهو نهر عظيم، أجل، بل نهر إلهي! إذ إن من يشرب منه من المرجح أن يزدري نهري النيل والدانوب، وربما يقول عنهما إنهما كانا سينالان قدرا أكبر من التقدير أيضا إذا كانا أصغر مساحة، بشرط أن يتدفق خلالهما ما يتدفق من هذا النهر.
يتحدث فيلوستراتوس عن الفيلات الفاخرة في منطقتي كامبانيا وتوسكاني، التي كانت مألوفة في الثقافة الإغريقية بقدر ما كانت مألوفة في الثقافة الرومانية (إن أمكن فصل الثقافتين). وتوجد صور مماثلة لديونيسوس في فيلات في مدينة بومبي وغيرها من المدن في خليج نابولي. وكان الرومان يعبدون ديونيسوس بصفته ليبر - أو باخوس - وهو أحد الألقاب التي أطلقت على أتباع الإله ديونيسوس. وكان باخوس من الآلهة الإغريقية التي دخلت إلى روما في القرن الثالث قبل الميلاد بهدف الحفاظ على المدينة من القرطاجيين وغيرهم من عوامل التهديد الخارجية. ولكن الإله ربما يصبح أيضا أحد عوامل التهديد، ففي عام 186 قبل الميلاد قضى مجلس الشيوخ على الملة النسائية باخاناليا خوفا من حدوث مؤامرة مناهضة للدولة؛ وهذه الأفكار الملتبسة تظهر في الملة. كان عيد أنثيستيريا (أو الزهرة) في مدينة أثينا والمدن المطلة على البحر الأيوني في آسيا الصغرى يحتفل ببدء موسم النبيذ الجديد، في أوائل الربيع وليس في الخريف مثل نبيذ بوجوليه نوفو. ويصف بيركرت (1985: 237) المشهد:
في معبد ديونيسوس «إين ليمنايس» كان أهالي مدينة أثينا يمزجون النبيذ للإله من الجرار التي أخذوها معهم إلى هناك، ثم يتذوقونه بأنفسهم ... وكتعبير عن ابتهاجهم بالمزيج، كانوا يحتفلون بديونيسوس بالأغاني ويرقصون ويستحضرونه بصفته منبت الأزهار وملهم القصائد الحماسية والمعربد وجالب الريح.
فيما يأتي وصف يقدمه مؤرخ محلي من أتيكا (فانوديموس، شذرات المؤرخين الإغريق 325، الشذرة 12، التي يستشهد بها أثينايوس) لبداية الاحتفال في اليوم الحادي عشر من شهر أنثيستيريون:
يوضع أول قطف من محصول العنب الجديد - باكورة الحصاد - في المعبد الذي لا يفتح إلا عند الغروب. يعج اليوم بالتحضيرات؛ إذ تنقل الأواني الفخارية بعربات تجر باليد، قادمة من حقول العنب الصغيرة المتناثرة في أنحاء الريف، ويتدفق إلى المدينة صغار الفلاحين والعمال المشتغلون بنظام الأجر اليومي والعبيد، وينتظر الأصدقاء والغرباء حتى حلول الليل خارج المعبد، ثم يفتحون الجرار ويريقون الخمر إجلالا للإله وتكريما له ليحظى بلحظات إراقة الخمر الأولى.
وفي اليوم الثاني - «كوييس» - كانت تفتح جرار النبيذ ويتنافس الرجال على الشرب من أباريق كبيرة؛ وكان العبيد والأطفال يشاركون أيضا، باعتبار هذا الطقس من طقوس إدماج الطفل الصغير في الأسرة. وكان اليوم الثاني يتسم بسلبيات أيضا؛ إذ كان المنزل والمدينة عرضة لاجتياح الموتى. وكانت هناك أيضا صورة أخرى من صور احتساء الخمر، وفيها ينطلق صوت نفير، وعندئذ يشرع الجميع في احتساء كميات متساوية من الشراب معا في آن واحد، ولكن في صمت وكل منهم جالس على مائدة منفردة. ويقال إن هذه العادة كانت إحياء لذكرى وصول أوريستيس إلى مدينة أثينا ويداه لا تزالان ملوثتين بدماء أمه كليتيمنيسترا. وفي هذا اليوم أيضا، زوج والي الملك - وهو أحد كبار القضاة في المدينة، الذي كان قد أنشأ نظام احتساء الخمور على نحو انفرادي - زوجته لديونيسوس في معبد ديونيسوس في المستنقعات، في مكان ما جنوبي قلعة أكروبوليس. وفي اليوم الثالث من العيد - ويعرف باسم «خوتروي» أو القدور - كان يسلق خليط الحبوب مع العسل في القدور. ويعلق بيركرت (1985: 240) على ذلك قائلا: «هذا هو أكثر طبق بدائي من أطباق الحبوب عرفه المزارعون الأوائل، وهو أقدم من اكتشاف طحن الدقيق وصنع الخبز؛ ونشأ ضمن العادات الجنائزية واستمر حتى وصل إلى الوقت الحاضر.» وتقدم الكلمة اليونانية الحديثة «كوليفا» مثالا على المزيج الجنائزي الذي تحدث عنه بيركرت. وحسبما يذكر بيركرت، فإن العصيدة البدائية يعود أصلها إلى أسطورة الفيضان. وفي نهاية اليوم، يطلب من الموتى الرحيل.
Shafi da ba'a sani ba