Abinci a Duniyar Da
الطعام في العالم القديم
Nau'ikan
بيزنطة هي الموطن الأصلي لأسماك التونة المخللة في موسمها، وهي أيضا الموطن الأصلي لسمك ماكريل المياه العميقة وسمك أبو سيف السمين، أما بلدة باريوم فهي من الأماكن التي تربى فيها أسماك الماكريل الإسبانية. وسيجلب أهالي بروتيوم أو كامبانيا، عبر أمواج البحر الأيوني، شحنة من مدينة قاديس أو تارانتوم المقدسة، وهي عبارة عن قلوب التونة العملاقة، المعبأة بإحكام في جرار وتنتظر بداية العشاء. (نقلا عن كاتب يقال إنه هسيود)
كثيرا ما كانت اللحوم والأسماك من الأطعمة المرتبطة بالمكانة الرفيعة في العصور القديمة؛ إذ كانت تربية الحيوانات أعلى في تكلفتها من زراعة الحبوب والنباتات، ولم تكن الحيوانات المخصصة للأكل وفيرة في بلدان البحر المتوسط قط كما كانت الحال في أوروبا الشمالية. وكانت الأسماك وفيرة، لكن لم يكن من الممكن ضمان وصول أسراب الأسماك في الأوقات المتوقعة، وكانت الأسماك الكبيرة المنفردة، مثل سمكة الترس وأنواع معينة من أسماك الأبراميس، مرتفعة الثمن ويصعب صيدها. وكانت حيوانات المزارع كثيرا ما تستخدم لأغراض أخرى غير الذبح؛ إذ كانت تستخدم للحصول على الألبان والصوف، ومنها ما كان يستخدم للقيام بالأعمال مثل الثور. وعند ذبحها للحصول على الطعام، كان ذلك يأتي في إطار طقس تقديم القرابين، كما ناقشنا ذلك في الفصلين الأول والثالث. وكما رأينا، لم تكن الأسماك عادة جزءا من طقوس تقديم القرابين؛ ومن ثم كانت ترتبط بالقوى التجارية، وتحديدا الأثرياء القادرين على الإنفاق بسخاء (راجع: جالانت 1984، وديفيدسون 1997، وويلكنز 2000).
كانت اللحوم مرتفعة الثمن نظرا لتكاليف إنتاجها، وكان استهلاكها بكميات كبيرة دلالة على الثراء؛ ومن ثم، كانت تقدم أطباق اللحوم في حفل زفاف كارانيوس وفي عشاء تريمالكيو. ولا يعني ذلك أن الفقراء لم يكن بوسعهم شراء اللحوم؛ إذ كان ذلك ممكنا عن طريق القرابين الجماعية، وعن طريق أطباق تشبه البيتزا في العصر الحديث كانت تستخدم في إعدادها كمية صغيرة من اللحوم بالإضافة إلى كمية كبيرة من الحبوب والخضراوات. ويبدو أن بائع السجق في مسرحية «الفرسان» من تأليف أريستوفان كان يبيع كميات صغيرة من اللحوم (وهو ما يأتي على النقيض من بيع الحيوانات الكاملة المخصصة للمآدب الفاخرة)، وكانت اللحوم تباع كذلك في المقاصف الصغيرة المقامة عند مفارق الشوارع في بومبي بكثرة إلى حد ما. وأتيحت فرص كثيرة لحفظ اللحوم، سواء السمك المجفف في الهواء أو المدخن أو المملح أو اللحم المملح والمجفف. وتشير المصادر الرومانية إلى تصنيع كميات من لحم الخنزير المدخن والمقدد (ربما بكميات قليلة)، كما تشير النصوص الإغريقية والرومانية من كل العصور بكثرة إلى السمك المملح، سواء أكان على هيئة قطع سميكة أم كان سمكا متخمرا على هيئة صلصة تعرف باسم «جاروم». وقد عثر على الحاويات المخصصة لتصنيع صلصة «جاروم» في الساحل الشمالي للبحر الأسود وفي إسبانيا والمغرب وفي مدينة بومبي على وجه التحديد. ولم يكن الحفظ يساعد في إطالة عمر الطعام فحسب، بل كان يساعد أيضا في توسيع نطاق توزيعه، وكان يعدل من نكهاته. وهكذا، استخدمت النكهة المضافة في لحم الخنزير، ولم تعد عصارات السمك بعد التخمر لها طعم السمك.
وكان بعض السلع المصنعة يتم تبادله تجاريا بناء على تميزه. يقول استرابو إن أفضل أنواع لحم الخنزير المملح كانت تأتي إلى روما من فرنسا (4، 3، 2)، وعلى نفس المنوال ذكرت المصادر الأخرى الأسماك المملحة المستوردة من منطقة بنطس وإسبانيا، وكان ينقل في جرار كالتي كانت تنقل فيها تلك السلعة الأخرى الناتجة عن التخمير؛ أي الخمر. وتتوافر في تلك المنتجات الثلاثة الجودة؛ ومن ثم القيمة التجارية التي كانت تتسم بها بعض الأطعمة المحفوظة. ويعد حفظ فائض الإنتاج لأوقات الحاجة من الاستراتيجيات الضرورية التي يستخدمها المزارعون الريفيون وغيرهم من المنتجين، وذلك بهدف حماية أنفسهم من أزمات نقص الطعام. ولكن العمليات الكيميائية، مثل التمليح والتخمير، تضفي أيضا نكهات وقوامات جديدة مستحسنة في حد ذاتها بسبب طعمها وخواص أخرى؛ فجالينوس مثلا يتحدث باستحسان عن المخللات بسبب خواص الملح والخل.
واللحوم المحفوظة أيضا من أمثلة اللحوم التي لا تؤكل عند تقديم القرابين؛ فكمية كبيرة من اللحوم التي كانت تؤكل في العصور القديمة كانت نتاج عمليات الذبح عند تقديم القرابين. وكثيرا ما يدعي البعض أن كل اللحوم الإغريقية كانت نتاج هذه الطريقة المتعلقة بطقوس تقديم القرابين، وكانت كميات كبيرة من اللحوم الرومانية أيضا ناشئة عن تقديم القرابين إلى الآلهة. ومن الصعب أن نجزم بشيء في هذا الصدد؛ نظرا لأن بعض الأدلة ذو طابع لغوي (لا تدل المصطلحات الدينية المتعلقة بالذبح بالضرورة على حدوث ذبح في حرم الأماكن الدينية)، ونظرا لتنوع المدن محل البحث في هذا الكتاب. ولكن القاعدة العامة هي استهلاك كميات لحوم أقل في العصور القديمة بالمقارنة بكميات اللحوم المستهلكة حاليا في غرب أوروبا والولايات المتحدة؛ وأن معظم تلك الكميات كانت في الكثير من العصور ناتجة عن شعائر تقديم القرابين؛ وأن الأغنياء كانوا قطعا يأكلون كميات من اللحم أكثر مما يأكله الفقراء. وفيما يتعلق بالنوع الاجتماعي، يفيد دليل الحضارة المينوية الذي استشهدنا به في الفصل الأول أن بعض الرجال في العصر البرونزي كانوا يأكلون كميات لحم أكثر مما يأكلها النساء.
ويبدو أن المستهلكين القدماء - المستهلكين الإغريق على وجه التحديد - كانوا يأكلون مجموعة أكثر تنوعا من الحيوانات مقارنة بما يأكله المستهلكون حاليا. وكانوا لا يأكلون اللحم البقري إلا في الاحتفالات الكبرى على مستوى المدينة، وكانت اللحوم الأساسية هي لحم الخنزير، بالإضافة إلى قليل من لحم الضأن ولحم الماعز. وكانوا يستمتعون بالأنسجة المختلفة لكل جزء من تلك اللحوم أكثر مما عليه الحال في بريطانيا والولايات المتحدة في العصر الحديث. كانوا يأكلون كل أنواع الطيور فضلا عن الثعالب والقنافذ، ويبدو أن الأطعمة المحرمة كانت نادرة (جارنسي 1999). ومع ذلك، كانت هناك أطعمة يفضلها الناس، وأطعمة أخرى لا يفضلونها.
ويسجل المؤلف التابع لمدرسة أبقراط لبحث «الحمية 2» قائمة باللحوم تشمل ما يأتي (46): اللحم البقري ذا الألياف القوية، ولحم الماعز، ولحم الخنزير والخنازير الصغيرة، ولحم الضأن الصغير، والحمير والكلاب، والجراء، ولحم الخنزير البري، والغزال، والأرنب البري، والثعلب، والقنفذ. وتتدرج هذه القائمة من حيوانات المزرعة إلى الحيوانات البرية، وتصل إلى آخر حدود النظام الغذائي البشري في حالة الكلاب والجراء. ويستفيض جالينوس في الحديث عن تحديد حدود النظام الغذائي البشري؛ ففي الجزء الثالث من كتابه «عن قوى الأطعمة» يصف لحم الخنزير بأنه أهم طعام مغذ من بين كل الأطعمة، ويليه اللحم البقري ولحم الماعز، مع تحفظات بخصوص لحم صغار الحيوانات، ثم يأتي لحم الضأن الصغير والأرانب البرية، ويليه لحم الحمير البرية. ويرى أن الحمير العجوزة غير مناسبة بالمرة (3، 1)، «مثل لحم الخيول والجمال؛ وتلك اللحوم يأكلها من هم أشبه بالحمير والجمال شكلا وموضوعا!» ويقول إن لحم الدببة والأسود والفهود أسوأ. يضيف جالينوس: «أما بخصوص الكلاب ، ما الذي يجب أن أضيفه أيضا؟ في بعض الأماكن يأكل الكثيرون الكلاب الصغيرة المكتنزة، وخصوصا المخصية. وفضلا عن الكلاب، يأكل الكثيرون لحم الفهود ولحم الحمير أيضا، حين تكون بحالة جيدة، مثل الحيوانات البرية؛ وهم لا يأكلونها فحسب، بل إن بعض الأطباء يستحسنونها. وفيما بيننا، كثيرا ما يأكل الصيادون لحم الثعالب في الخريف؛ إذ يعكفون على تسمينها حاليا بإطعامها العنب.»
وأنواع اللحوم كثيرة، ولكن جالينوس لا يحدد أين تؤكل - على سبيل المثال - الجمال أو الفهود. ويذكر جالينوس في مواضع أخرى أن الجمال كانت تؤكل في الإسكندرية؛ ولذا لا بد أن ننسب بعض هذه العادات إلى أماكن معينة من الإمبراطورية الرومانية، فالجمال تؤكل في مصر وربما بلاد الرافدين، والفهود تؤكل في أصقاع بعيدة. ويذكر هيرودوت عادة أكل الجمال (1، 133، وهو ما يستشهد به أثينايوس في مناقشته للوجبات الفارسية) في سياق احتفالات أعياد الميلاد: «في هذا اليوم، يقدم الأغنياء لحم الثيران والحمير والخيول والجمال بعد شوائها كاملة في الأفران. أما الفقراء، فيقدمون الحيوانات الصغيرة ذات الحوافر.» يشير هيرودوت إلى اختيار يوم مميز - وهو أمر غير معتاد من وجهة نظر الإغريق - والحيوانات غير المألوفة وطريقة الطهي الفارسية التي تطهى فيها الحيوانات كاملة دون تقطيع (مهما بلغ كبر حجمها)، على العكس من عادة الإغريق في تقطيع جسم الحيوان في شعائر تقديم القرابين، وذلك قبل طهيها. ويذكر هيرودوت أوجه الاختلاف هذه دون أن يضيف تعليقا ينم عن الازدراء، كدأبه دوما. ويسخر أريستوفان في مسرحيته «الأخارنيين» - تماشيا مع الكوميديا الأثينية - من العادة الفارسية المتعلقة بطهي الحيوانات كاملة دون تقطيع. أما جالينوس، فيرفض لحم الجمال دون أن يحدد هوية من يأكلونه، وذلك في إطار محاولته لتعيين حدود النظام الغذائي لدى الرومان والإغريق؛ وهو بذلك يقدم كدأبه دوما وجهة نظر من وسط الإمبراطورية، وذلك من الناحية الجغرافية؛ فالأراضي الرومانية أصبحت في هذه المرحلة تشمل أجزاء من صحاري مصر وبلاد الرافدين؛ ولذلك كان الإتيان على ذكر عادة أكل الجمال وإدراجها في نص من العصر الإمبراطوري أمرا متوقعا، حتى إذا لم يوص بها طبيب يكتب في روما أو في موطنه بيرغاموم (التي كانت بأكملها جزءا من العالم الإغريقي والعالم الروماني لمئات السنين). ومن الممكن أن نجد اهتماما مماثلا بالجمال في العصر الإمبراطوري في وصف لموكب بطليموس فيلاديلفوس، يستشهد به أثينايوس من كتاب «الإسكندرية» من تأليف كاليزينوس الرودسي (راجع الفصل الثالث من هذا الكتاب). وكانت الجمال المحملة بالتوابل من الشرق جزءا من مظاهر التباهي الملكي بالثراء واحتفالات عيد ديونيسيا، وكان الملوك المصريون يستوردونها من الشرق.
ولم يتحدد مدى القرب المكاني لعادة أكل الكلاب من موطن جالينوس، ولكن عادة أكل الثعالب هي فقط التي ينسبها جالينوس إلى موطنه ميسيا في غرب تركيا.
وعلى المنوال نفسه، يرفض جالينوس عادة أكل الثعابين وحشرات الخشب بصفتها عادة مصرية، وليست إغريقية (3، 2). كان الإغريق والرومان يأكلون حشرات معينة وبالتحديد الجراد (راجع الفصل الثاني). رأينا في الفصل السابق أن النظام الغذائي كان يعتمد أساسا على الحبوب والنباتات القابلة للأكل، وكانت الحدود الفاصلة بين الأطعمة القابلة للأكل وغير القابلة للأكل كثيرا ما تتداخل، مما أدى إلى فحصها بعناية، وظهر ذلك في النظام الغذائي للريفيين في الشهور العجاف في ربيع بلدان البحر المتوسط.
Shafi da ba'a sani ba