Abinci a Duniyar Da
الطعام في العالم القديم
Nau'ikan
لا يطلب صبية حي درام تشابل سلاطة الجمبري. ستطلب أنت حساء. (جوك ستاين، من أهم مدربي كرة القدم في إنجلترا)
كانت الاختلافات المحلية متأثرة تأثرا شديدا بالعوامل الجغرافية والمناخية، وقد ناقشت بعضها بإيجاز في الفصل السابق، وغالبا ما كانت العوامل الاجتماعية والسياسية على القدر نفسه من الأهمية؛ لذا استفادت إسبرطة من وادي يوروتاس الخصب، الذي يبدو أنه كان ينتج أنواعا معينة من الخس والخيار والتين وغيرها من المحاصيل. ويبدو أن هذه الثروة الزراعية قد أدت إلى إقامة ولائم مترفة، وذلك بحسب قصيدة غير مكتملة كتبها الشاعر ألكمان الذي عاش في القرن السابع (الشذرة 19 للشاعر الغنائي اليوناني)، ولكن المناخ السياسي المادي في المدينة ذات الحكم الذاتي كان يتطلب فصل الرجال المقاتلين عن عائلاتهم وفرض نظام غذائي متقشف صارم. يصف المؤلف الهلنستي ديكاركوس (استشهد به أثينايوس) طبيعة المائدة الجماعية: يقدم للجميع كعك الشعير ونبيذ وقطعة صغيرة من اللحم في الحساء الأسود الشهير، وربما يقدم أيضا زيتون أو جبن أو تين أو أرانب برية أو الحمام المطوق. يشير كتاب آخرون إلى إدخال أطعمة موسمية أيضا إلى المائدة الجماعية، ويؤكدون أن الطيور والطرائد كانت تقدم أيضا. وكانت الوجبات الجماعية المخصصة للرجال أو «سوسيتيا» هي الظاهرة التي تلفت الانتباه، كما كانت تلفت الانتباه في كريت (يقدم أثينايوس مصادر للفكرة الثانية في كتابه). ويعرض ديكاركوس نظاما كان مطبقا في إسبرطة، وكان يستخدم المنتجات الغذائية المحلية بنجاح، ولكن تطبيقه كان يقتصر بصرامة على نطاق البنية الاجتماعية. يبدو أن إسبرطة كانت من المدن ذات الحكم الذاتي، التي كان طعامها «متقشفا» - بالمعنى الحديث - وليس مترفا في العصر الكلاسيكي القديم. كانت إسبرطة تعارض الترف بشدة، كما يوضح أثينايوس حين نشر مقالا نقديا كتبه أحد مواطني مدينة سيباريس، الذي كانت مدينته أبرز مثال للترف في الفكر القديم. ولا أقصد بذلك أن أقول إنهم كانوا محرومين من تناول غذاء مفيد، طالما كانت هناك أفكار واضحة عن الاحتياجات الغذائية للجنود في العصور القديمة (راجع ما يأتي)، ونستطيع أن نكون واثقين بأن الجيش الإسبرطي لم يخرج على معدة فارغة.
وعلى النقيض من ذلك، نجد أن معظم مساحة إقليم أتيكا ذو طبيعة صخرية وغير خصبة، والأراضي الزراعية الصالحة للزراعة فيه محدودة (راجع الفصل الأول). ولم يقف هذا النقص الزراعي عائقا أمام تعمير مدينة كبيرة في ظل حكم استبدادي، ثم حكم ديمقراطي. وكان قدر كبير من هذا التعمير يقوم على التطلع إلى خارج البلاد، وجلب سلع إلى أثينا كان يتعذر زراعتها فيها. وتأثر الكثير من المدن في البلدان الإغريقية والرومانية على نحو مماثل بالبنية الاجتماعية في كل منها، وبالأيديولوجيات القائمة على تلك البنى. وروما هي أكبر مثال على مدينة أصبحت رائدة على مستوى العالم بناء على الفتوحات العسكرية في إيطاليا وخارجها، ومع ذلك كان أهل روما يرون (بعضهم على الأقل) أن هويتها تكمن في أصولها الزراعية البسيطة في وادي نهر التيبر.
أثرت البنى السياسية والاجتماعية تأثيرا كبيرا في الأطعمة التي كان يتناولها الناس وأساليب تناولها، وكان اللحم دوما من الأطعمة التي تحظى بمكانة عالية نظرا لتكلفة إنتاجه، ولكن كثيرا ما كان للأطعمة الأخرى دور كبير. وكان حجم المنازل وعددها من العوامل المهمة أيضا - ما هي نسبة المساحة المخصصة للطهي وتناول الطعام في منازل مدينة ما؟ - وشكل الغرف وأنواع الأثاث. وكثيرا ما كانت أدوات المائدة والأثاث تصب في خانة التفاخر الاجتماعي في الولائم على الأقل، شأنها شأن الأطعمة الجديدة وغير المعتادة. وكانت البنى الاجتماعية هي التي تحدد أي الضيوف هم المناسبون وأيهم غير المناسبين، وهل يجوز دعوة النساء إلى مأدبة رسمية أم لا ، وهل يتحقق مبدأ من المساواة بين حاضري المأدبة أم لا.
لدينا دراية أكبر في معظم المدن القديمة بعادات تناول الطعام لدى الأغنياء، ولكن هذا الفصل لن يركز باستمرار على الطبقات الراقية وحدها؛ فالطعام كان يضمن (أو لم يضمن) بقاء جميع الناس على قيد الحياة، وكان على المستوى الاجتماعي أن يضع معالم في دورة حياة غالبية الناس مثل طقوس الميلاد والزواج والموت. وكانت الأطعمة تضع معالم أيضا في السنة الدينية والمناسبات العامة على مدار العام، وذلك في الولائم العامة والخاصة التي كان كثيرا ما يشارك فيها كل المواطنين، وأحيانا العبيد. وكانت المنزلة الاجتماعية عادة ما تحدد نوعية الطعام الذي كان يتناوله الناس، ولكن كانت تحدده عوامل أخرى أيضا، وأهمها معدل الجهد المبذول في وظائف معينة كانت تتطلب نظاما غذائيا يحتوي على سعرات حرارية مرتفعة؛ ومن ثم، كان العمال المشتغلون بأعمال يدوية والعبيد والرياضيون والجنود يحتاجون إلى كمية طعام تفوق المعدل العادي، حتى يتسنى لهم أداء وظيفتهم الاجتماعية. ويوضح جالينوس - كما سنرى - أن الشخص العادي سيمرض إذا تناول الغذاء المخصص لرياضي أو لعامل مشتغل بعمل يدوي.
ومن ثم، فإن تناول الطعام كان مترسخا في النظام الاجتماعي في الثقافة الإغريقية الرومانية، كما في معظم الثقافات الأخرى. وكانت الوجبات تفصح عن المنزلة الاجتماعية الرفيعة أو عدم وجودها، ونادرا ما كان يتناول أحد طعامه فحسب بطريقة محايدة اجتماعيا. سنلاحظ أن الفقراء كانوا على الأرجح يأكلون المنتجات الزراعية المحلية، بينما كان بوسع الأغنياء أن يضيفوا إلى النظام الغذائي التقليدي المنتجات المستوردة وأدوات المائدة المرتفعة الثمن. أما السمات الأخرى، فسيكون من الأصعب تمييزها؛ فتناول الطعام في الأماكن الخاصة والعامة ليس دائما أمرا يسهل علينا فهمه. وفوق ذلك، كثيرا ما يكون الفارق غير واضح بين تناول الطعام في مناسبات دينية وتناول الطعام في مناسبات علمانية. يمتدح الكثير من النصوص القديمة التراث المتعلق بعادات تناول الطعام، وخصوصا إذا كان يقترن بطقس ديني، وكثيرا ما يصاحب هذا المديح انتقاد للأسواق وللتنمية التجارية. ومع ذلك - كما سنرى - كانت الأسواق ضرورية لتوزيع الطعام، وأصبح النشاط التجاري جزءا من توفير الأطعمة حتى للمعابد؛ ومن ثم، فإن بعض المناقشات الأكثر تطرفا التي يبدو أنها تقوم على توجهات اجتماعية تنتمي في الواقع إلى النظرية الأخلاقية التي وضعها بعض الفلاسفة، وهو الموضوع الذي نناقشه في الفصل السابع.
يبدأ هذا الفصل بوصف لإحدى المآدب يعد من أكثر الأوصاف التي وصلت إلينا من العصور القديمة اكتمالا. وهذه المأدبة أيضا هي - بحسب ما قاله أثينايوس - أكثر المآدب بذخا التي شاهدها في ذلك التاريخ (حوالي سنة 300 قبل الميلاد). وقد يكون أثينايوس محقا في ذلك أو غير محق، ولكن ما قاله يساعدنا على الأقل على تأمل تعريفه للبذخ وتصور أي أمثلة أخرى مخالفة لذلك. يقدم هيبولوكوس المقدوني تفاصيل وليمة إفطار بمناسبة حفل زفاف في خطاب لصديقه بالمراسلة لينسيوس من ساموس:
في مقدونيا - كما قلت - حين أقام كارانيوس وليمة زفافه، بلغ عدد الرجال المدعوين عشرين (أو مائة وعشرين)، وما إن اتكئوا على الأرائك حتى قدمت إلى كل منهم أقداح فضية كهدايا، وتوج كل منهم أيضا بعصابة رأس ذهبية قبل دخول الغرفة، وكان ثمن كل واحدة منها خمسة دنانير مدينية ذهبية. وحين فرغت أقداحهم، قدم إليهم صحن برونزي ذو تصميم كورنيثي عليه رغيف من الخبز يماثل حجمه حجم الصحن، وكانت موضوعة فوقه كميات كبيرة من الدجاج والبط والحمام والإوز، وتناول كل ضيف صحنه وناوله - بكل ما عليه - إلى عبيده الجالسين خلفه، وقدم الكثير من الأطباق الأخرى المتنوعة، وأعقبها صحن فضي آخر، كان عليه أيضا رغيف كبير وإوز وأرانب برية وماعز صغيرة وأنواع أخرى من الخبز وطيور الحمام المطوق والحمام والحجل وكمية كبيرة من الطيور الأخرى. ويقول: «منحنا هذه أيضا لعبيدنا، وحين شبعنا غسلنا أيدينا، ثم قدموا إلينا الكثير من الأكاليل من كل أنواع الزهور، وفوق ذلك كله قدموا إلينا تيجانا ذهبية صغيرة يبلغ وزنها وزن التاج الأول.»
يقول هيبولوكوس إنه علاوة على ذلك كله، فإن بروتياس - سليل بروتياس ابن لانيس مربية الإسكندر - كان يسرف في شرب الخمر (وكان يعرف عنه ميله للإسراف في شرب الخمر مثل جده بروتياس الذي كان يرافق الإسكندر) وشرب نخب الجميع. ثم يكتب هيبولوكوس ما يأتي: «حين سكرنا، أسرعت إلى الغرفة عازفات الناي ومعهن الموسيقيات وعازفات السامبوكا من رودس. وخلتهن عاريات، ولكن الناس أخبروني أنهن كن يرتدين سترات قصيرة بلا أكمام. وأخذن يغنين أغنية افتتاحية ثم انصرفن. وجاءت فتيات أخريات تحمل كل واحدة منهن جرتين من صمغ المر مربوطتين معا بشريط ذهبي، وكانت إحداهما من الفضة والأخرى من الذهب؛ وكانتا بحجم وحدة القياس المعروفة ب «قوطولي»؛ ثم قدمن هذه الجرار لكل ضيف. وكان ما تلا ذلك عبارة عن إعلان عن الثراء أكثر مما كان مأدبة عشاء؛ رأيت صحنا فضيا مطليا بالذهب إلى درجة سمك كبيرة، وكان حجمه كبيرا ويتسع لخنزير مشوي كامل، بل كان الصحن يحمل خنزيرا كبيرا أيضا، وكان ممددا على ظهره فظهر للناظرين أن بطنه يمتلئ بالكثير من المأكولات اللذيذة؛ إذ كان محشوا بطيور السمان المشوي والبط المشوي ...» •••
وتمضي القصة لتحكي عن المزيد من شرب الخمر والمزيد من صحون اللحم ووسائل الترفيه (بما في ذلك المشاهد التمثيلية الحية) والمزيد من الهدايا الفاخرة (للاستزادة وللاطلاع على الترجمة والتعليقات المتعلقة بها، راجع دالبي 1988) ويقارن هيبولوكوس بالتحديد بين هذه الوليمة والطعام الشحيح الذي يقدم في الأعياد الأثينية ومدارس الفلسفة في أثينا.
Shafi da ba'a sani ba