Abinci a Duniyar Da
الطعام في العالم القديم
Nau'ikan
ومن ثم، ينبغي أن نتوقع وجود قدر كبير من التنوع في البلدان الإغريقية والبلدان الرومانية، وسنجد هذا التنوع قطعا، وهو ما يظهر في صور شتى كثيرة. (3-4) ثقافات أخرى
أشرنا في عدة مواضع إلى عادات أو مكونات معينة ترتبط بأماكن بعينها، ولكننا لاحظنا أن تأثير مكان ما على آخر وتأثير انتقال الأطعمة والتكنولوجيا من مكان لآخر؛ مهم كذلك؛ إذ شهدت المنطقة حركة دائبة للتجارة والأغراض العسكرية والسياسية في أنحاء البلدان المطلة على البحر المتوسط؛ مما أدى إلى انتشار واسع للسلع والخبرات والمهارات؛ ومن ثم، من الصعب للغاية التحدث عن الإغريق والرومان باعتبار أن وجودهم منحصر في البر الرئيسي لليونان وفي روما وإقليم لاتيوم على التوالي. منذ فترة مبكرة للغاية، احتل الإغريق جنوبي إيطاليا، وكان التأثير الروماني على آسيا الصغرى هائلا في عهد الإمبراطور أغسطس؛ ومن ثم، لا بد من صياغة الملاحظات التي تجيب عن السؤال القائل: «هل كان الناس يشربون مشروبات «البربر» المقيمين في آسيا الصغرى في عصر أسخيلوس في أوائل القرن الخامس قبل الميلاد؟» صياغة مختلفة بعض الشيء في القرن الأول الميلادي. كان الإغريق والرومان يرون البحر المتوسط باعتباره بحرهم، وأن مناطق نفوذهم محاطة بشعوب مختلفة، منها السلتيون من شمالي أوروبا المعتادون على أكل اللحوم، وشعوب البدو الرحل في شمال الصحراء الكبرى الإفريقية وفي السهوب الروسية. ولكن كانت هناك ثقافات تسيطر على أجزاء من شرق البحر المتوسط قبلهم، مثل الفرس والمصريين، من بين شعوب أخرى؛ وكان هؤلاء من غير الإغريق، ولكنهم كانوا يختلفون عن السلتيين في عدم انتمائهم للإغريق. كان من الوارد وصف الفرس والمصريين بأنهم يتسمون بالترف والتفسخ الأخلاقي - وهي موضوعات أناقشها في الفصل السابع - ولكن أي وصف مبتذل من ذلك النوع يبخس حق هؤلاء الجيران ذوي الطبيعة المركبة، الذين كانت تجمعهم علاقة طيبة بالكثير من المجتمعات الإغريقية.
لطالما كانت مصر دوما حالة خاصة في البلدان المطلة على البحر المتوسط، بفضل ما للنيل من مأثرة فريدة على الزراعة، والوفرة النادرة التي أتى بها؛ لذا كانت مصر من دراسات الحالة المهمة لهيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد، وكانت موقع الثقافة الإغريقية المصرية للبطالمة في العصر الهلنستي، وكانت أيضا مرجعا استرشاديا مهما لاثنين من المؤلفين المهتمين بالتلخيص الذين نعتمد عليهم في هذا الكتاب - وهما جالينوس وأثينايوس (وأثينايوس إغريقي مصري من نقراطيس) - في القرنين الثاني والثالث الميلاديين.
وكانت بلاد فارس أيضا موضوع الكثير من المناقشات الدائرة حول الطعام والثقافة. كان الملك الأكبر يجلس على قمة نظام هرمي دقيق يوزع الطعام والموارد الأخرى انطلاقا من المركز. ووصف بعض المؤلفين الإغريق هذا النظام ب «الترف»، ولكنه يعبر أيضا عن نظام ديني مختلف، وجرت محاولات لوصفه بمصطلحات تخلو من التحامل. وكان الملك الأكبر يعبر عن علو شأنه وتفوقه عن طريق توزيع اللحم وتناوله وتنظيم مواعيد الوجبات بناء على نظام هرمي، وأيضا عن طريق تحفيز الابتكار. يصف هيراكليدس من كوما - مؤلف كتاب «تا بيرسيكا» أو «وصف بلاد فارس» الذي ألفه في القرن الرابع قبل الميلاد - المآدب الملكية كالآتي:
من بين المدعوين لتناول الطعام مع الملك، يتناول البعض طعامهم بالخارج، على مرأى كل من يرغب في مشاهدتهم، بينما يتناول آخرون طعامهم بالداخل بصحبة الملك. ولكن حتى هؤلاء لا يأكلون في حضوره، نظرا لوجود غرفتين متقابلتين، يتناول الملك وجبته في إحداهما، ويتناول الضيوف المدعوون طعامهم في الغرفة الأخرى، ويراهم الملك من خلال الستار المسدل على الباب، ولكنهم لا يرونه. ولكن، أحيانا في حالة وجود عطلة عامة، يتناول الكل طعامهم في غرفة واحدة مع الملك في القاعة الكبرى. وكلما أمر الملك بإقامة جلسة شراب (وكثيرا ما يحدث ذلك) جلس معه نحو اثني عشر من الندماء يشاركونه الشراب، وحين ينتهي هؤلاء الندماء من تناول عشائهم - فالملك يجلس وحده، والضيوف يجلسون في الغرفة الأخرى - يستدعيهم أحد الخصيان، فيدخلون ثم يشربون معه، مع أنهم لا يحتسون الخمر نفسه؛ فضلا عن ذلك، يجلسون على الأرض بينما يتكئ هو على أريكة أرجلها من الذهب، ويغادرون بعد أن يشربوا حتى الثمالة. وفي معظم الحالات، يتناول الملك فطوره وعشاءه وحده، ولكن أحيانا يشاركه تناول الطعام زوجته وبعض أبنائه. وطوال تناول العشاء تغني محظياته ويعزفن على القيثارة، وتغني إحداهن منفردة، بينما تغني الأخريات غناء جماعيا. (ترجمه إلى الإنجليزية: جوليك)
ويمضي هيراكليدس بعد ذلك ليصف المأدبة نفسها، وهي مأدبة الملك، قائلا:
سيبدو «عشاء الملك» - كما يسمى - مظهرا من مظاهر التبذير والإسراف لمن يسمع عنها فحسب، ولكن حين يتفحصها المرء بعناية سيجد أنه قد روعي في تحضيرها الاقتصاد، بل التقتير أيضا. وينطبق الشيء نفسه على مآدب العشاء التي كان يقيمها غيره من الفرس ذوي المقام الرفيع؛ إذ يبلغ عدد الحيوانات التي تذبح يوميا ألف رأس؛ وتشمل الخيول والجمال والثيران والحمير والغزلان ومعظم الحيوانات الأصغر حجما؛ ويستهلك أيضا الكثير من الطيور، بما في ذلك النعام العربي - وهي مخلوقات كبيرة الحجم - والإوز والديوك. ولا يقدم من بين كل هذه الحيوانات إلا حصص متوسطة الحجم لكل ضيف من ضيوف الملك، ويسمح لكل منهم أن يأخذ معه إلى بيته كل ما يتركه من طعامه دون أن يمسه. ولكن القسم الأكبر من هذه اللحوم وغيرها من الأطعمة يحمل إلى ساحة القصر ليأكله الحراس والفرسان المسلحون بأسلحة خفيفة، الذين يحتفظ بهم الملك؛ وهناك يقسمون كل بقايا اللحوم والخبز ويقتسمونها فيما بينهم بالتساوي. وكما أن الجنود المرتزقة في اليونان يتلقون أجورهم مبالغ مالية ، يتلقى هؤلاء الرجال الطعام من الملك كمكافأة على خدماتهم. والشيء نفسه نجده فيما بين الفرس الآخرين ذوي المنزلة الرفيعة؛ حيث يقدم الطعام كله على المائدة نفسها في الوقت نفسه، ولكن حين يفرغ ضيوفهم من تناول طعامهم، يمنح الموظف المسئول عن المائدة كل ما تبقى من المائدة - ويتألف في معظمه من اللحم والخبز - إلى العبيد كافة؛ فيأخذونه ويحصلون بذلك على طعامهم اليومي؛ ومن ثم، يتوجه أعلى ضيوف الملك مقاما إلى القصر لتناول الفطور فقط؛ إذ يتوسلون ليؤذن لهم بالمغادرة حتى لا يضطرون للذهاب مرتين، ولكن يسمح لهم بالعودة إلى ضيوفهم. (ترجمه إلى الإنجليزية: جوليك)
هذه المقتطفات المأخوذة من نص هيراكليدس يحفظها أثينايوس (في كتابه «مأدبة الحكماء»)، ويحاول أثينايوس حساب التكلفة المقارنة لهذا النظام ومقارنتها بتكاليف الإسكندر الأكبر، وهي محاولة مهمة وإن كانت لم تكلل بالنجاح. ويتناول أثينايوس أيضا المقارنة التي أجراها هيرودوت بين الإغريق والفرس، والمقارنة المفيدة التي أجراها زينوفون بين الحكام المستبدين الإغريق وبين الحديث عن المتع، وهو ما نتناوله في الفصلين الثاني والسابع. ويضيف أثينايوس أيضا عنصر الابتكار في الوصفات والتأثير الأشمل له على أنطونيو وكليوباترا. وهذه مناقشة مفيدة للغاية - ولكن يشوبها النقص مما يحول دون اعتبارها دراسة - عن انتقال عادات تناول الطعام الملكية من بلاد فارس إلى روما، وذلك عن طريق الحكام المستبدين الإغريق وملوك الحقبة الهلنستية. وللاطلاع على مناقشة لعادات تناول الطعام وطرق توزيع الطعام في بلاد فارس (راجع بريانت 1996: 297-309). (3-5) هل حدث تطور ثقافي؟
يعود تاريخ فخامة القصر الملكي الفارسي إلى فترة طويلة سابقة على العصر الذي نحن بصدد مناقشته في هذه الدراسة. وبنهاية الدراسة التي بين أيدينا، نجد أن القصر الإمبراطوري في روما قد أصبح يحظى بثراء يفوق ثراء الملك الفارسي. هل لنا أن نتحدث عن «تطور فن تذوق الطعام» في البلدان الإغريقية الرومانية في هذه الحقبة؟
بوجه عام، كانت المنتجات المحلية والطقوس الاجتماعية مرتبطة بالزراعة والمناخ، ولم تكن مرهونة بالتجديد السريع، مع أنه من الوارد أن تطرأ تغيرات بمرور الزمن في المنتجات المزروعة أو الأنظمة السياسية والاجتماعية. وغالبا ما كان التغيير في أساليب تناول الطعام والمنتجات المتاحة وافدا من الخارج؛ ولذلك كان المستهلكون في روما يستفيدون من الفواكه الجديدة مثل الكرز والخوخ والمشمش التي جاءت إلى المدينة حين أخذت الإمبراطورية تبسط نفوذها في آسيا الصغرى، وأصبحت تتوفر أنواع جديدة من الطيور والأسماك فيما يبدو. وفي فترة أقدم - كما سنرى في الفصل الثاني - جاءت عادة الاتكاء بدلا من الجلوس أثناء تناول الطعام إلى البلدان الإغريقية والبلدان الإيطالية القديمة من الشرق الأدنى. وظهرت تطورات أخرى في الطعام وفي عادات تناول الطعام سنناقشها. هل من الجائز إذن أن نصرح بأن الناس - في نهاية العصر الذي يشمله هذا الكتاب - كانوا يأكلون بطريقة أكثر تقدما مما كانوا عليه في البداية؟ وكما سنرى فيما يأتي، كان الإغريق يؤمنون قطعا بالتطورات الثقافية من هذا النوع، على الأقل كما يتضح من خلال الأيديولوجية والأسطورة. ولنا أن نكون على يقين إلى حد ما بأن غالبية السكان عموما لم تشهد أيا من هذه التطورات، وأن أزمات نقص الطعام - التي كان يتعرض لها الفقراء في الريف - كانت مزمنة في القرن الثاني الميلادي كما كانت في القرون السابقة؛ ويشهد جالينوس ببلاغة على هذه الحقيقة. أما بين الطبقات الراقية الثرية، فقد ظهرت تطورات، ولكن يبدو أنها لم تستمر طوال الحقبة. وهنا أستعرض بإيجاز ظاهرتين ثقافيتين: وهما الطاهي وكتاب الطهي، وآثارهما على التطور الثقافي.
Shafi da ba'a sani ba