قال جالينوس: حرارة الصبيان وحرارة الشباب المتناهي في الشباب متساوية غير أن حرارة الصبيان فيها من الجوهر المائي والجوهر الهوائي أكثر، فلذلك يتحلل منها أكثر مما يتحلل من حرارة الشباب فيحتاج الصبيان من الغذاء إلى أكثر مما يحتاج إليه الشباب. الحمى هي تغير الحرارة الغريزية إلى النارية، ولذلك يكون مقدار حدة الحمى بحسب مقدار الحرارة الغريزية لأنه لا تكاد تبلغ الحمى في الشيخ ما يتلوه في الشباب من قبل ضعف حرارة الشيخ الغريزية. فإن بلغت في شيء من الأوقات فذلك يكون عن سبب عظيم جدا، ولذلك يدل على تلفه. حكى جالينوس B عن أرسطاليس: أنه قال إن الحرارة الغريزية تهرب من البرد الذي يحيط بالبدن من خارج في الشتاء فتبطن، وفي الصيف تبرز وتخرج إلى الشيء المجانس لها. واستصوب ذلك وزعم أنه رأيه ورأى أبقراط. قال: وإنه يعرض من قبل ذلك أن يتحلل جوهرها وينفش في الصيف ويحتقن ويجتمع ويكتنز في الشتاء. قال: معونة النوم على الأفعال الطبيعية معونة قوية الذين يستحمون بالماء المبارد، من كان منهم ضعيفا برد بدنه وناله ضرر، ومن كان منهم قوي البدن. أما في أول ما يستحم فتهرب الحرارة إلى عمق البدن وتجتمع هناك ثم من بعد تعود إلى سطح البدن الخارج وهي أكثر مما كانت كثيرا. وكذلك الحيوان ما كان منه في طبعه أبرد فإن برد الشتاء بلغت حرارته الغريزية حتى تكاد أن تطفأ (36)، ولذلك (37) نرى أكثره شبيها بالميت مطروحا في وكره وهو عديم الحس والحركة فمنها ما يعطب A ومنها يسلم، ولذلك أيضا لا يحتاج إلى غذاء. وما كان من الحيوان أكثر دما وأسخن مزاجا فإنه يعرض له في الشتاء شبيه بما يعرض للأبدان القوية من الاستحمام بالماء البارد. وذلك أن حرارته تجمع في عمق بدنه لأن الروح والدم يغوران ويبطنان فيه. الشيء [=aph.15, § 35] الذي به يكون تكوين الحيوان عند تصويره وابتداء حلقته ونماؤه بعد ذلك وغذاؤه إلى أن يموت هو الحرارة الغريزية. ولما كانت هذه الحرارة هي سبب الأفعال الطبيعية كلها وكانت في الشتاء أكثر صارت في ذلك الوقت تزيد في الشهوة وتقوي الهضم وتجمع دما أكثر وتسخن البدن وتتلطف وتعين باستفراغ الفضول. فأما الحر الذي يلقى البدن من خارج فليس يستفرغ الفضول وحدها لكنه يستفرغ كل ما في البدن بالسواء فيحلل مع فضول بدن الحيوان الأشياء الطبيعية التي تحويها. وليس هذا التحليل الخفي لأنه التحليل أخفى هو الذي تفعله الحرارة الغريزية وحدها B . وذلك أن الطبيعة ليس تقتصر على أن تشتهي الغذاء الموافق وتهضمه وتصله بالأعضاء لكنها مع ذلك تحلل فضول الغذاء أو كلما كانت الحرارة الغريزية أقوى كان (38) التحليل أخفى عن الحس. العرق خارج من الطبيعة لأنه إذا كان أمر البدن كله يجري على ما ينبغى واستولت الطبيعة على الغذاء وقهرته لم ينبعث العرق فإن العرق الذي ينبعث في الحمام وعند الرياضة الشديدة أو في حر الصيف إنما يكون من أسباب تستكرهه الحرارة الغريزية تكون في الشتاء قوية والنوم طويلا. فلذلك يستفرغ الفضول على ما ينبغي. فما كان منها لطيفا خرج من الجلد من غير أن يحس به، وما كان منها بخاريا خرج مع النفس، وما كان منها غليظا خرج مع البول. ولذلك يرسب في الشتاء في البول أكثر مما يرسب فيه في الصيف، ويكون مقدار البول في الشتاء أزيد منه في الصيف زيادة أكثرة. البدن يزداد لحمه في الشتاء أكثر منه في الصيف A ويجتمع فيه دم كثير جيد متى كان تدبيره حميدا (39). إن لم يرد على الحرارة الغريزية في الشتاء غذاء أكثر فإن برد الهواء يصل بالنفس إلى باطن البدن فيقهرها ويغلبها فتضعف، ويضعف بضعفها استمراء الطعام ويولد الدم الجيد واغتذاء الأعضاء واستفراغ الفضول. أكثر الأمراض التي تحدث من الامتلاء وأعظمها إنما يكون إذا ذابت الكيموسات وانبسطت، ولذلك يضطر إلى أن ينقص الدم في الربيع. الحمى مرض حار يابس [=aph. 16 § 6] وهي تغير الحرارة الغريزية إلى الحرارة النارية، ولذلك ينبغي أن يعالج بالغذاء الرطب. فهمت عنهما أن أبقراط قصد بكلامة في التدبير اللطيف. القول في كمية الغذاء وبكلامة في زيادة الحرارة الغريزية في الشتاء ونقصانها في الصيف تعريفنا ما (40) ينبغي أن نفعله في تقوية الحرارة الغريزية. وقوله «الأغذاية الرطبة توافق جميع المحمومين» يعرفنا ما ينبغي أن نغذو به المحمومين. وبقوله «سيما الصبيان» تعريفنا أن يكون ما يعطيه المريض B من الغذاء موافق لما عليه طبيعة المريض. وبقوله «ومن قد اعتاد» أن يجعل أيضا للعادة خطأ في ذلك، واحتمل (41) كلامه على كمية الغذاء وكيفيته. ولما استتم هذا، عرفنا في الفصل الذي [=aph 17] أوله «وينبغي أن يعطى بعض المرضى غذاءهم » طريق استعمال الغذاء أي جهة استعماله إذا كانت القوة ضعيفة وحال البدن إما حال فساد وإما حال نقصان فينبغي أن يعطيه طعاما قليلا مرارا كثيرة. أما تقليله فلأن ضعف القوة يمنع من استمراء الكثير دفعة. وأما إغطاؤه في مرار كثيرة فلأن البدن يحتاج إلى غذاء كثير من قبل أن النقصان يحتاج إلى زيادة والفساد يحتاج إلى إصلاح وتعديل. وإن كانت القوة ضعيفة وحال البدن معتدلة فينبغي أن يغذو المريض مرارا قليلة ويعطيه قليلا قليلا. إن كانت القوة قوية وحال البدن حال نقصان أو فساد فينبغي أن يعطى المريض غذاء كثيرا مرارا كثيرة لأن قوته تنضجه فيعدل مزاج الحرارة A الغريزية. وإن كانت القوة القوية وكان المريض من الامتلاء فينبغي أن تطعمه طعاما قليلا في مرارا قليلة. الحار الغريزي هو النفس الهاضم للغذاء. إذا كانت حركة الطبيعة للبحران حركة ناقصة فينبغي أن يزيد نحو الشيء الذي قد نقص.
Shafi 61