الصحفيون المصريون ينشرون غطاء من الزهور على قبر محمد علي جناح.
ولم تتح الأقدار للقائد الأعظم أن يعيش ليرى تحقيق فكرته الثانية؛ فكرة تعاون العالم الإسلامي مع العالم المسيحي ومع البلاد الآسيوية لتحقيق السلام العالمي، كما رأى تحقيق فكرته الأولى بإنشاء الباكستان، فقد اختاره الله بعد مرض طال به وأضناه، لكنه ظل رغم مرضه يعمل جاهدا، مخالفا نصائح أطبائه، ليوطد أركان الدولة الجديدة، وليثبت خطاها في سبيل التقدم، مؤمنا بأن التعاون المنتج لا يكون إلا بين الأكفاء، وأن تعاون العالم الإسلامي مع سائر بلاد العالم الأخرى لا يثمر النتيجة المرجوة منه إلا إذا بذل هذا العالم الإسلامي الجهد ليكاتف غيره من دول العالم في ركب الحضارة.
هذا هو المثل الأعلى الذي ارتسم في ذهن القائد الأعظم مؤسس الباكستان بعد أن تم تأسيسها، وبعد أن أصبحت دولة لها كيانها بالفعل ولها أثرها في سياسة العالم. وقد كان لهذا المثل الأعلى عدة مظاهر منذ بدأت الباكستان حياتها كدولة، ومنذ انضمت إلى الأمم المتحدة، فمنذ سنة 1947 بدأت الباكستان تلعب دورها مع الدول العربية بوصفها دولة إسلامية، بل أكبر دولة إسلامية، ولم ينس أحد ممن تتبعوا أخبار الأمم المتحدة سنة 1947 ما قام به ظفر الله خان، وهو وزير خارجية الباكستان، في مشكلة فلسطين، وكيف قاوم بكل قوة إقامة دولة إسرائيل، وكان في هذا متفقا مع مبادئ محمد علي جناح، القائد الأعظم، تمام الاتفاق. وهما في هذا كانا يعبران بإخلاص عن اتجاه العالم الإسلامي في الدول العربية وفي غير الدول العربية.
إقبال ...
إن اسم «إقبال» ليس من الأسماء الخالدة في تاريخ باكستان أو في تاريخ الهند كلها بوصفه شاعرا أو فيلسوفا، ولكنه كان فوق ذلك كله من قادة المسلمين ومن باعثي الروح الوطنية الذين أوحوا بفكرة قيام باكستان.
ولد محمد إقبال بسيالكوت بالبنجاب عام 1873 في عائلة براهمية اتخذت الزراعة في قرية «لوهار» بكشمير مهنة لها، وقد اعتنق أحد أسلافه الدين الإسلامي قبل حكم الإمبراطور المغولي «أكبر»، بعد أن تشبعت نفسه بتعاليم حضرة شاه همداني أحد أئمة المسلمين آنئذ، وهكذا تفتح صدر هذه العائلة للإسلام، وقد نزح جد إقبال الأكبر الشيخ محمد رفيق من كشمير ومعه إخوته الثلاثة ومنهم الشيخ محمد رمضان الذي عرف بالتصوف والذي ألف كتبا كثيرة باللغة الفارسية، وحط المهاجرون رحالهم في سيالكوت، وسرعان ما بدأ الجد في العمل بمساعدة ابنه الأكبر والد إقبال.
وبدأ إقبال تعليمه في أحد المكاتب ثم في مدرسة البعثة الأسكتلندية حيث كان يدرس مولانا مير حسن أحد أصدقاء والده، وقد تكفل الأستاذ منذ البداية بتعليم ابن صديقه وأولاه عطفا خاصا لما لمسه فيه من ذكاء واستعداد للنبوغ، وعلمه الفارسية والعربية.
وبعد حصوله على الشهادة الثانوية حصل على شهادة الكلية الأسكتلندية بدرجة ممتازة، ثم التحق بكلية الحكومة بلاهور حيث أتم دراسته، وهناك تمكن من الاتصال بالمستشرق الإنجليزي السير توماس آرنولد أحد أساتذتها آنذاك ومنها حصل على درجته النهائية، وبعد ذلك التحق بالكلية الشرقية كمحاضر ثم بكلية الحكومة بلاهور.
وكان إقبال يشكو من ضعف في قوة إبصاره ولذلك استحال عليه الدخول في خدمة الحكومة لما تتطلبه خدمتها من شروط وقيود، وكان فشله في الالتحاق بها نعمة على العالم الإسلامي وملايين المسلمين الذين سعدوا بقراءة شعره وباعتناق مبادئه، فإنه لولا هذا النقص لجرفته خدمة الحكومة في تيارها، ولما أمكنه أن يكرس حياته للمثل العليا التي كان يستهدفها، ولما نعم العالم والإنسانية والإسلام بنتاج قريحة وثابة كقريحته.
ولم يكتف إقبال بما حصله من العلم والمعرفة بل أراد أن يستزيد منهما، ولهذا رحل إلى أوروبا عام 1905 قاصدا كامبردج ثم هيدلبرج بألمانيا ثم ميونخ في سويسرا حيث حصل على الدكتوراه بعد أن قدم رسالته القيمة «تطور الفكرة العقلية في إيران». وفي سنة 1908 حصل على درجة في القانون ثم عاد إلى وطنه وأهله.
Shafi da ba'a sani ba