لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَدِيدًا أَوْ قَيْحًا، وَلَوْ كَانَ الدَّمُ فِي الْجُرْحِ فَأَخَذَهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ أَكَلَهُ الذُّبَابُ فَازْدَادَ فِي مَكَانِهِ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَزِيدُ وَيَسِيلُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ بَطَلَ وُضُوءُهُ، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ خَرَجَ بِالْعَصْرِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُخْرَجٌ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ يَنْقُضُ وَهُوَ حَدَثٌ عَمْدٌ عِنْدَهُ. قَالَ ﵀
(وَقَيْءٌ مَلَأَ فَاهُ وَلَوْ مِرَّةً أَوْ عَلَقًا أَوْ طَعَامًا أَوْ مَاءً)، وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الْقَيْءَ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ خُرُوجُ نَجِسٍ لِمَا أَنَّهُ يُخَالِفُ فِي حَدِّ الْخُرُوجِ عَلَى مَا يَأْتِي، وَهُوَ حَدَثٌ عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ ﵊ «إذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ أَوْ قَلَسَ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ» الْحَدِيثَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ﵁ حِينَ عَدَّ الْأَحْدَاثَ قَالَ أَوْ دَسْعَةٌ تَمْلَأُ الْفَمَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْوَاعِ الْقَيْءِ؛ لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ خِلَافًا لِلْحَسَنِ فِي الْمَاءِ وَالطَّعَامِ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرَا، وَلَوْ قَاءَ دَمًا إنْ نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ نَقَضَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا وَإِنْ صَعِدَ مِنْ الْجَوْفِ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُهُ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِلْءُ الْفَمِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالْمُخْتَارُ إنْ كَانَ عَلَقًا يُعْتَبَرُ مِلْءُ الْفَمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ وَإِنَّمَا هُوَ سَوْدَاءُ احْتَرَقَتْ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا نَقَضَ وَإِنْ قَلَّ لِأَنَّهُ مِنْ قُرْحَةٍ فِي الْجَوْفِ، وَقَدْ وَصَلَ إلَى مَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ، وَشَرْطٌ أَنْ يَكُونَ مِلْءَ الْفَمِ؛ لِأَنَّ لِلْفَمِ حُكْمَ الْخَارِجِ حَتَّى لَا يُفْطِرُ الصَّائِمُ بِالْمَضْمَضَةِ، وَلَهُ حُكْمُ الدَّاخِلِ حَتَّى لَا يُفْطِرُ بِابْتِلَاعِ شَيْءٍ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ مِثْلُ الرِّيقِ فَلَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْخَارِجِ مَا لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ، وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ مِلْءِ الْفَمِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ إلَّا بِكُلْفَةٍ، وَقِيلَ مَا لَا يُمْكِنُ الْكَلَامُ مَعَهُ، وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى نِصْفِ الْفَمِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَالَ ﵀ (لَا بَلْغَمًا) أَيْ الْبَلْغَمُ الصِّرْفُ لَا يَنْقُضُ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْقُضُ الصَّاعِدَ مِنْ الْجَوْفِ دُونَ النَّازِلِ مِنْ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْقَيْءِ فَصَارَ كَسَائِرِ أَنْوَاعِهِ، وَلِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ فِي الْمَعِدَةِ بِخِلَافِ النَّازِلِ مِنْ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ لَيْسَ بِمَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَالْمَعِدَةُ مَحَلُّ النَّجَاسَةِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَزِجٌ لَا يَتَدَاخَلُهُ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ فَصَارَ كَمَا قَاءَ بُصَاقًا، وَلَوْ كَانَ الْبَلْغَمُ مَخْلُوطًا بِالطَّعَامِ فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ هُوَ الْغَالِبُ نَقَضَ إجْمَاعًا.
قَالَ ﵀: (أَوْ دَمًا غَلَبَ عَلَيْهِ الْبُصَاقُ)؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ فَصَارَ كَأَنَّهُ كُلُّهُ بُصَاقٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا تَفْسِيرَ الْغَلَبَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ هَذَا إذَا خَرَجَ مِنْ نَفْسِ الْفَمِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْجَوْفِ فَقَدْ ذَكَرْنَا تَفَاصِيلَهُ وَاخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ فِيهِ قَالَ ﵀ (وَالسَّبَبُ يَجْمَعُ مُتَفَرِّقَهُ) أَيْ السَّبَبُ يَجْمَعُ مُتَفَرِّقَ الْقَيْءِ، وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَكُونَ الْقَيْءُ الثَّانِي قَبْلَ سُكُونِ النَّفْسِ مِنْ الْغَثَيَانِ؛ لِأَنَّ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ أَثَرًا فِي جَمِيعِ الْمُتَفَرِّقَاتِ فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ لَوْ مَرِضَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِالسَّبَبِ الَّذِي كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ يَرُدُّهُ، وَيَجْعَلُ الثَّانِيَ عَيْنَ الْأَوَّلِ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ يَجْمَعُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ جَامِعٌ لِلْمُتَفَرِّقَاتِ أَيْضًا كَالْعُقُودِ أَيْ حَتَّى يَرْتَبِطُ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ وَكَالْإِقْرَارِ وَالتِّلَاوَةِ الْمُتَكَرِّرَةِ، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ يَجْمَعُ كَيْفَمَا كَانَ
قَالَ ﵀ (وَنَوْمُ مُضْطَجِعٍ وَمُتَوَرِّكٍ)
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُخْرَجٌ) قَالَ الْكَمَالُ لَا تَأْثِيرَ يَظْهَرُ لِلْإِخْرَاجِ وَعَدَمِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَلْ النَّقْضُ لِكَوْنِهِ خَارِجًا نَجِسًا، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ مَعَ الْإِخْرَاجِ كَمَا يَتَحَقَّقُ مَعَ عَدَمِهِ فَصَارَ كَالْفَصْدِ وَقِشْرِ النَّفْطَةِ، فَلِذَا اخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ فِي جَامِعِهِ النَّقْضَ وَفِي الْكَافِي وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُخْرَجَ نَاقِضٌ، وَكَيْفَ وَجَمِيعُ الْأَدِلَّةِ الْمُورَدَةِ مِنْ السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ تُفِيدُ تَعَلُّقَ النَّقْضِ بِالْخَارِجِ النَّجِسِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمُخْرَجِ انْتَهَى.
وَفِي النَّوَازِلِ وَفَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ عُصِرَتْ الْقُرْحَةُ فَخَرَجَ مِنْهَا شَيْءٌ كَثِيرٌ وَلَوْ لَمْ يَعْصِرْ لَا يَخْرُجُ لَا يَنْقُضُ، وَلَكِنْ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَفِي الْجَامِعِ لِلْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ إذَا عَصَرَهَا فَخَرَجَ الدَّمُ بِعَصْرِهَا انْتَقَضَ وَهُوَ حَدَثٌ عَمْدٌ كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَلَا يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ وَفِي الْكَافِي الْأَصَحُّ أَنَّ الْمُخْرَجَ نَاقِضٌ وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مِثْلُ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ، وَقِيلَ فِي الْفَرْقِ إنَّ فِيهِمَا بَعْدَ قَطْعِ الْجِلْدَةِ يَخْرُجُ الدَّمُ بِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ الْمُخْرَجُ انْتَهَى كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَيْءٌ مَلَأَ فَاهُ) أَيْ فَمَ الْمُتَوَضِّئِ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ مِرَّةً) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ صَفْرَاءَ انْتَهَى عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ عَلَقًا) أَيْ دَمًا جَامِدًا انْتَهَى عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ ﵊ «إذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ» إلَى آخِرِهِ) قِيلَ الْمُدَّعَى وَهُوَ كَوْنُ الْقَيْءِ مِلْءَ الْفَمِ حَدَثًا أَخَصُّ مِنْ الدَّلِيلِ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ، أَقُولُ الْمُدَّعَى هَاهُنَا كَوْنُ الْقَيْءِ حَدَثًا، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ مِلْءِ الْفَمِ فَبِدَلِيلٍ آخَرَ سَيَأْتِي انْتَهَى يَحْيَى. (قَوْلُهُ أَوْ قَلَسَ) الْمَضْبُوطُ أَوْ رَعَفَ يَحْيَى. (قَوْلُهُ تَمْلَأُ الْفَمَ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَالَهُ سَمَاعًا مِنْ النَّبِيِّ ﷺ انْتَهَى كَاكِيٌّ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «يُعَادُ الْوُضُوءُ مِنْ سَبْعٍ مِنْ نَوْمٍ غَالِبٍ وَقَيْءٍ ذَارِعٍ وَتَقَاطُرِ بَوْلٍ وَدَمٍ سَائِلٍ وَدَسْعَةٍ تَمْلَأُ الْفَمَ وَالْحَدَثِ وَالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ» انْتَهَى كَاكِيٌّ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ أَوْ دَسْعَةٍ تَمْلَأُ الْفَمَ يُعْرَفُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ عَنْهُ ﷺ «يُعَادُ الْوُضُوءُ مِنْ سَبْعٍ مِنْ إقْطَارِ الْبَوْلِ وَالدَّمِ السَّائِلِ وَالْقَيْءِ وَمِنْ دَسْعَةٍ تَمْلَأُ الْفَمَ وَنَوْمِ الْمُضْطَجِعِ وَقَهْقَهَةِ الرَّجُلِ فِي الصَّلَاةِ وَخُرُوجِ الدَّمِ»، وَفِيهِ سَهْلُ بْنُ عَفَّانَ وَالْجَارُودُ بْنُ يَزِيدَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ لِلْفَمِ حُكْمَ الْخَارِجِ) قِيلَ هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَلَا يُقْبَلُ أَقُولُ هَذَا تَعْلِيلُ النَّصِّ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ لَا تَعْلِيلَ يُقَابِلُهُ انْتَهَى يَحْيَى.
(قَوْلُهُ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْكَافِي وَالْأَصَحُّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ﵀؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ إضَافَةُ الْأَحْكَامِ إلَى الْأَسْبَابِ، وَإِنَّمَا تَدُلُّ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ إذْ لَوْ اُعْتُبِرَ السَّبَبُ لَانْتَفَى التَّدَاخُلُ؛ لِأَنَّ كُلَّ تِلَاوَةٍ سَبَبٌ وَفِي الْأَقَارِيرِ اُعْتُبِرَ الْمَجْلِسُ لِلْعُرْفِ وَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لِدَفْعِ الضَّرُورَةِ. (قَوْلُهُ لِلْمُتَفَرِّقَاتِ أَيْضًا) يَعْنِي كَالسَّبَبِ (قَوْلُهُ وَكَالْإِقْرَارِ) أَيْ الْإِقْرَارِ إذَا تَكَرَّرَ فَهُوَ وَاحِدٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَنَوْمُ مُضْطَجِعٍ وَمُتَوَرِّكٍ) حُكِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَالْإِمَامِيَّةِ أَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ بِحَدَثٍ انْتَهَى كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ: وَكَانَ
1 / 9