Tabsira
التبصرة
Mai Buga Littafi
دار الكتب العلمية
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م
Inda aka buga
بيروت - لبنان
صرعته فرجع إلى أشد مما كان، فبينما هُوَ مَارٌّ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ إِذْ نَظَرَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ يَضْرِبُ بِأَرْدَانِهِ وَيَنْظُرُ فِي أَعْطَافِهِ فَقَالَ: يَا فَتَى خَفِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ. فَقَالَ: إِلَيْكَ عَنِّي يَا أَبَا سَعِيدٍ فَإِنَّا أَحْدَاثٌ نُرِيدُ أَنْ نَذُوقَ الدُّنْيَا. فَقَالَ الْحَسَنُ: كَأَنَّكُمْ بِالْمَوْتِ قَدْ نَزَلَ بِسَاحَةِ هَذَا الشَّابِّ فَرَضَّهُ رَضًّا. فَبَيْنَمَا الْحَسَنُ فِي مَجْلِسِهِ إِذْ أَقْبَلَ أَخُو الْفَتَى إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ إِنَّ الْفَتَى الَّذِي كُنْتَ تَعِظُهُ هُوَ أَخِي، وَقَدْ وَقَعَ فِي سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَغُصَصِهِ. فَقَالَ الْحَسَنُ لأَصْحَابِهِ: قُومُوا نَنْظُرُ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِهِ. فَلَمَّا أَقْبَلَ الْحَسَنُ قَرَعَ الْبَابَ فَقَالَتْ أُمُّهُ مَنْ بِالْبَابِ؟ فَقَالَ: الْحَسَنُ. فَقَالَتْ: يَا أَبَا سَعِيدٍ مِثْلُكَ يَأْتِي إِلَى مِثْلِ وَلَدِي! أَيَّ شَيْءٍ تَعْمَلُ عَلَى بَابِ وَلَدِي وَوَلَدِي لَمْ يَتْرُكْ ذَنْبًا إِلا رَكِبَهُ وَلا مُحَرَّمًا إِلا انْتَهَكَهُ. فَقَالَ: اسْتَأْذِنِي لَنَا عَلَيْهِ فَإِنَّ ربنا سبحانه يقيل العثرات. فقالت: يَا بُنَيَّ هَذَا الْحَسَنُ بِالْبَابِ، فَقَالَ: يَا أُمَّاهُ أَتُرَى جَاءَنِي الْحَسَنُ عَائِدًا أَوْ مُوَبِّخًا؟ افْتَحِي لَهُ الْبَابَ. فَفَتَحَتْ لَهُ فَدَخَلَ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ يُعَالِجُ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ قَالَ لَهُ: يَا فَتَى اسْتَقِلِ اللَّهَ يُقِلْكَ. فَقَالَ: يَا أبا سعيد إنه لا يفعل. قال: أو تصف اللَّهَ بِالْبُخْلِ
وَهُوَ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ! فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ إِنِّي عَصَيْتُهُ فَاسْتَقَلْتُهُ فَأَقَالَنِي، فَعَصَيْتُهُ فَأَمْرَضَنِي، فَاسْتَقَلْتُهُ فَأَقَالَنِي، وَهَذِهِ الْخَامِسَةُ، فَلَمَّا اسْتَقَلْتُهُ نَادَى مُنَادٍ مِنْ زَاوِيَةِ الْبَيْتِ، أَسْمَعُ الصَّوْتَ وَلا أَرَى الشَّخْصَ: لا لَبَّيْكَ وَلا سَعْدَيْكَ قَدْ جَرَّبْنَاكَ مِرَارًا فَوَجَدْنَاكَ غَدَّارًا. فَقَالَ الْحَسَنُ لأَصْحَابِهِ: قُومُوا بِنَا. فَلَمَّا أَنْ خَرَجَ الْحَسَنُ قَالَ لأُمِّهِ: هَذَا الْحَسَنُ قَدْ آيَسَنِي مِنْ سيدي وسيدي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ، يَا أُمَّاهُ إِذَا رَأَيْتِينِي وَقَدْ تَحَوَّلَ السَّوَادُ بَيَاضًا وَرَشَحَ لِلْمَوْتِ جَبِينِي وَغَارَتِ الْعَيْنَانِ وَاصْفَرَّ الْبَنَانُ وَانْقَطَعَ اللِّسَانُ، فَخُذِي الْمِدْرَعَةَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي وَضَعِي خَدِّي عَلَى الثَّرَى وَاسْتَوْهِبِينِي مِنْ سَيِّدِي، فَإِنَّ سَيِّدِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ. فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَيْهِ يُعَالِجُ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ أَخَذَتِ الْمِدْرَعَةَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ وَوَضَعَتْ خَدَّهُ عَلَى التُّرَابِ وَشَدَّتْ وَسَطَهَا بِحَبْلٍ مِنْ لِيفٍ وَنَشَرَتْ شَعْرَهَا وَرَفَعَتْ رَأْسَهَا نَحْوَ السَّمَاءِ ثُمَّ نَادَتْ: إِلَهِي وَسَيِّدِي أَسْأَلُكَ بِالرَّحْمَةِ الَّتِي رَحِمْتَ بِهَا يَعْقُوبَ فَجَمَعْتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهِ، وَأَسْأَلُكَ بِالرَّحْمَةِ الَّتِي رَحِمْتَ بها أيوب
1 / 265