Tabsira
التبصرة
Mai Buga Littafi
دار الكتب العلمية
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م
Inda aka buga
بيروت - لبنان
كَانَ الشِّبْلِيُّ يَقُولُ: لا تَغْتَرِرْ بِدَارٍ لا بُدَّ مِنَ الرَّحِيلِ عَنْهَا، وَلا تُخَرِّبْ دَارًا لا بُدَّ مِنَ الْخُلُودِ [فِيهَا] .
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ الْهَاشِمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمُؤَدِّبُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا شَدَّادُ بْنُ عَلِيٍّ الْهَرَّابِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: مَرَرْتُ بِرَاهِبٍ فَنَادَيْتُهُ: يَا رَاهِبُ مَنْ تَعْبُدُ؟ قَالَ: الَّذِي خَلَقَنِي وَخَلَقَكَ. قُلْتُ عَظِيمٌ هُوَ؟ قَالَ: قَدْ جَاوَزَتْ عَظَمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ. قُلْتُ: فَمَتَى يَذُوقُ الْعَبْدُ حَلاوَةَ الأُنْسِ بِاللَّهِ؟ قَالَ: إِذَا صَفَا الْوُدُّ وَخَلَصَتِ الْمُعَامَلَةُ. قُلْتُ: فَمَتَى يَصْفُو الْوُدُّ؟ قَالَ: إِذَا اجْتَمَعَ الْهَمُّ فِي الطَّاعَةِ. قُلْتُ: فَمَتَى تَخْلُصُ الْمُعَامَلَةُ؟ قَالَ: إِذَا كَانَ الهم همًا واحدًا. قلت فكيف تخليت بِالْوَحْدَةِ؟ قَالَ: لَوْ ذُقْتَ حَلاوَةَ الْوَحْدَةِ لاسْتَوْحَشْتَ إِلَيْهَا مِنْ نَفْسِكَ. قُلْتُ: فَمَا أَكْثَرُ مَا يَجِدُ الْعَبْدُ مِنَ الْوَحْدَةِ. قَالَ: الرَّاحَةَ مِنْ مُدَارَكَةِ النَّاسِ وَالسَّلامَةَ مِنْ شَرِّهِمْ. قُلْتُ: بِمَاذَا يُسْتَعَانُ عَلَى قِلَّةِ الْمَطْعَمِ؟ قَالَ: بِالتَّحَرِّي فِي الْمَكْسَبِ. قُلْتُ: زِدْنِي خِلالا. قَالَ كُلْ حَلالا وَارْقُدْ حَيْثُ شِئْتَ. قُلْتُ: فَأَيْنَ طَرِيقُ الرَّاحَةِ؟ قَالَ: خِلافُ الْهِوَى. قُلْتُ: لِمَ تَعَلَّقْتَ فِي هَذِهِ الصَّوْمَعَةِ؟ قَالَ: مَنْ مَشَى عَلَى
الأَرْضِ عَثَرَ، فَتَحَصَّنْتُ بِمَنْ فِي السَّمَاءِ مِنْ فِتْنَةِ أَهْلِ الأَرْضِ لأَنَّهُمْ سُرَّاقُ الْعُقُولِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَلْبَ إِذَا صَفَا ضَاقَتْ عَلَيْهِ الأَرْضُ فَأَحَبَّ قُرْبَ السَّمَاءِ. قُلْتُ: يَا رَاهِبُ مِنْ أَيْنَ تَأْكُلُ؟ قَالَ: مِنْ زَرْعٍ لَمْ أَبْذُرْهُ. قُلْتُ: مَنْ يَأْتِيكَ بِهِ؟ قَالَ: الَّذِي نَصَبَ الرَّحَا يَأْتِيهَا بِالطَّحِينِ. قُلْتُ: كَيْفَ تَرَى حَالَكَ؟ قَالَ: كَيْفَ يَكُونُ حَالُ مَنْ أَرَادَ سَفَرًا بِلا أُهْبَةٍ، وَيَسْكُنُ قَبْرًا بِلا مُؤْنِسٍ، وَيَقِفُ بَيْنَ يَدَيْ حَكَمٍ عَدْلٍ. ثُمَّ أَرْسَلَ عَيْنَهُ وَبَكَى. قُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: ذَكَرْتُ أَيَّامًا مَضَتْ مِنْ أَجَلِي لَمْ أُحَقِّقْ فِيهَا عَمَلِي، وَفَكَّرْتُ في قلة الزاد وفي عقبة هُبُوطٍ إِلَى الْجَنَّةِ أَوْ إِلَى النَّارِ. قُلْتُ يَا رَاهِبُ: بِمَ يُسْتَجْلَبُ الْحُزْنُ؟ قَالَ: بِطُولِ الْغُرْبَةِ، وَلَيْسَ الْغَرِيبُ مَنْ مَشَى مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَلَكِنَّ الْغَرِيبَ صَالِحٌ بَيْنَ فُسَّاقٍ.
ثُمَّ قَالَ: إِنَّ سُرْعَةَ الاسْتِغْفَارِ تَوْبَةُ الْكَذَّابِينَ، لَوْ عَلِمَ اللِّسَانُ مِمَّا يَسْتَغْفِرُ لَجَفَّ فِي الْحَنَكِ، إِنَّ الدُّنْيَا مُنْذُ سَاكَنَهَا الْمَوْتُ مَا قرت بها عين، كلما تزوجت الدنيا زوجا
1 / 199