إِلَى القَوْل بِنَفْي الصَّانِع إِذْ لَو جَازَ ان يكون فعل بِلَا فَاعل لجَاز أَن يكون كل فعل بِلَا فَاعل كَمَا لَو جَازَ ان تكون كِتَابَة بِلَا كَاتب جَازَ أَن تكون كل كِتَابَة بِلَا كَاتب وَكَانَ يَقُول ان دَار الْإِسْلَام دَار شرك لغَلَبَة من يُخَالِفهُ فِي بدعته فِي دَار الْإِسْلَام وَكَانَ يَقُول لَا يجوز سبي النِّسَاء من دَار الْكفْر وان من سبي امراة ثمَّ ألم بهَا فَهُوَ زَان وان وَلَده ولد الزِّنَا هَذَا مِنْهُ اقرار بانه من ولد الزِّنَا لنه كَانَ من أَوْلَاد السبايا
وَاعْلَم ان هَذَا المبتدع كَانَ يظْهر الْبِدْعَة وَكَانَ فِي الْحَقِيقَة ملحدا وَلكنه كَانَ يستر الحاده بِمَا كَانَ يظْهر من مُوَافقَة أهل الْبدع ثمَّ كَانَ يتغلب الحاده الشَّيْء بعد الشَّيْء فِي الْأَحَايِين كَمَا ذكره عبد الله بن مُسلم بن قُتَيْبَة فِي كتاب مُخْتَلف الحَدِيث ان ثُمَامَة رأى يَوْمًا نَاسا يُسَارِعُونَ إِلَى صَلَاة الْجُمُعَة مَخَافَة أَن تفوتهم الصَّلَاة فَأقبل على عبد كَانَ مَعَه وَقَالَ أنظر إِلَى هَؤُلَاءِ الْحمير مَاذَا فعل بهم ذَلِك الْعَرَبِيّ وَكَانَ يُرِيد النَّبِي ﷺ وَذكر الجاحظ فِي كتاب المضاحك أَن الْمَأْمُون الْخَلِيفَة كَانَ قد ركب يَوْمًا فَرَأى ثُمَامَة وَهُوَ سَكرَان قد وَقع فِي الوحل فَقَالَ لَهُ أَنْت ثُمَامَة فَقَالَ أَي وَالله فَقَالَ لَهُ الا تَسْتَحي فَقَالَ لَا وَالله فَقَالَ عَلَيْك لعنة الله فَقَالَ تترى ثمَّ تترى
وَأورد الجاحظ فِي كِتَابه من نَوَادِر الحاده ان غُلَام ثُمَامَة قَالَ لَهُ قُم فصل فتغافل عَنهُ فَقَالَ لَهُ ثَانِيًا قُم فصل فتخلص فَقَالَ أما أَنا فقد تخلصت ان تركنتني أَنْت وَكَانَ من شدَّة عداوته لأهل السّنة أَنه أغرى الواثق بِأَحْمَد بن نصر الْمروزِي السّني الْخُزَاعِيّ لأجل أَنه كَانَ يطعن على الْقَدَرِيَّة وَوَافَقَهُ ابْن الزيات وَابْن أبي دَاوُد لما قَتله نَدم على قَتله وعاتبهم على ذَلِك فَقَالَ ابْن الزيات تطيبا لقلب الواثق ان لم يكن قَتله صَوَابا فقتلني الله بَين المَاء وَالنَّار
وَقَالَ ابْن أبي دَاوُد حَبَسَنِي الله فِي جلدي ان لم يكن قَتله صَوَابا وَقَالَ ثُمَامَة سلط الله عَليّ السيوف ان لم يكن قَتله صَوَابا فَاسْتَجَاب الله دعواتهم فاما ابْن الزيات فانه لما دخل الْحمام خسف بِهِ الأَرْض وَوَقع فِي الأتون وَهلك فِيهِ بَين المَاء وَالنَّار وَأما ابْن أبي دَاوُد فَأَصَابَهُ الفالج فَبَقيَ فِي جلده حبوسا إِلَى أَن مَاتَ وَأما ثُمَامَة فَرَآهُ بَنو خُزَاعَة بِمَكَّة وَقَالُوا هَذَا الَّذِي سعى فِي دم عالمنا أَحْمد بن نصر ثمَّ أحاطوا بِهِ وتبادروا بِالسَّيْفِ فَقَتَلُوهُ ثمَّ أخرجُوا جيفته من الْحرم حَتَّى اكلته السبَاع هَذِه كَانَت عاقبته فِي الدُّنْيَا وسيناله شُؤْم بدعته فِي الْآخِرَة كَمَا يسْتَحقّهُ
١٣ - الْفرْقَة الثَّالِثَة عشرَة
الجاحظية مِنْهُم الجاحظية وهم أَتبَاع عَمْرو بن بَحر الجاحظ فقد اغْترَّ أَصْحَابه بِحسن بَيَانه فِي تصانيفه وَلَو عرفُوا ضلالته وَمَا أحدثه فِي الدّين من بِدعَة وجهالاته لكانوا يَسْتَغْفِرُونَ عَن مدحه ويستنكفون عَن الانتساب إِلَى مثله
فَمن جهالاته الْمَعْرُوفَة قَوْله ان المعارف كلهَا طباع وان كل من عرف شَيْئا فَإِنَّمَا يعرفهُ بطبعه لَا بَان يتعلمه وَلَا بَان يخلق الله تَعَالَى لَهُ علما بِهِ
وَمن جهالاته قَوْله ان الْعباد لَا يَفْعَلُونَ الا الارادة فَقَط لَا فعل لَهُم سواهَا
وَمن بدعه قَوْله لَا يبلغ أحد من النَّاس الا وَهُوَ عَالم بِاللَّه تَعَالَى وَهَذَا يُوجب أَن يكون جَمِيع المنكرين لله تَعَالَى عارفين بِهِ وَهَذَا خلاف الْمَعْقُول وَالشَّرْع وَأما قَوْله ان العَبْد لَا يفعل الا الارادة فَيجب أَن لَا يكون العَبْد فعل صَلَاة وَلَا حجا وَأَن لَا يكون قد فعل من مُوجبَات الْحُدُود مثل السّرقَة وَالزِّنَا شَيْئا
وَأما قَوْله ان المعارف ضَرُورِيَّة فانه يُوجب أَن لَا يكون ثَوَاب وَلَا عِقَاب على أَفعاله الْمَوْجُودَة مِنْهُ وَهَذَا خلاف قَول الْمُسلمين وَإِنَّمَا صنف كتاب طبائع الْحَيَوَان لتمهيد هَذِه الْبِدْعَة الشنعاء أَرَادَ أَن يُقرر فِي نفوس من يطالعه هَذِه الْبِدْعَة ويزينها فِي عينه فيغتر بِحسن أَلْفَاظه المبتذلة فِيهَا ويظن أَنه إِنَّمَا جمعه لنشر نوع من الْعلم وَلَا يعلم أَنه إِنَّمَا قصد بِهِ التَّمْهِيد لبدعته حَتَّى إِذا أَلفه واستأنس بِهِ واعتقد مُقْتَضَاهُ انْسَلَخَ بِهِ عَن دينه وَقد ركب الجاحظ على قَوْله هَذَا قولا هُوَ شَرّ من هَذَا فَقَالَ ان الله تَعَالَى لَا يدْخل أحدا النَّار وَلَكِن النَّار بطبعا تجذب إِلَى نَفسهَا أَهلهَا ثمَّ تمسكهم فِي جوفها خَالِدا مخلدا وَهَذَا يُوجب أَن يُقَال فِي الْجنَّة مثل هَذَا فَقَالَ انها تجذب أَهلهَا إِلَى نَفسهَا بطبعها فَيبْطل بِهِ الرَّغْبَة والرهبة وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب من الله تَعَالَى حَيْثُ يَقُول ﴿وَمِنْهُم من يَقُول رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار﴾ وَاعْلَم أَن الكعبي عده من مَشَايِخ الْمُعْتَزلَة وافتخر بتصانيفه وَزعم أَنه عَرَبِيّ من بني كنَانَة وَلَو كَانَ كَمَا قَالَه لما صنف كتابا فِي مفاخر القحطانية على العدنانية والكنانية وَمَا كَانَ يجمع فِيهِ مَا هجا بِهِ القحطانية العدنانية وَكَانَ لَا يستجيز انشادها فان من كَانَ ابْن رشدة لَا يرضى بِهِجَاء أَبِيه وَلَو كَانَ عَرَبيا لما صنف كِتَابه فِي فضل الموَالِي على الْعَرَب وَأما تصانيفه فَمن تعرف مَا فِيهَا وَتَأمل مَعَانِيهَا ومقاصده فِيهَا علم أَنه لَا يشْتَغل بتصنيف امثالها الا من لَا خلاق لَهُ وَلَا مُرُوءَة فان أَعلَى تصانيفه كتاب طبائع الْحَيَوَان وَقد بَينا مَقْصُوده فِيهِ وَذَلِكَ من شَرّ الْمَقَاصِد وَكَيف مَا كَانَ وَقد سرق أُصُوله من كتاب أرسطاطاليس وَمن كتاب المدايني الَّذِي صنفه فِي مَنَافِع أَصْنَاف الْحَيَوَان وَلم يُورد فِيهِ شَيْئا من كيسه وَلَا من ذَات نَفسه الا أبياتا ضمهَا اليها قالتها الْعَرَب فِي مَعَانِيهَا زين بهَا حَشْو كِتَابه وأودعه مناظرة الْكَلْب والديك وَالْكَلب والهرة وَالْكَلب وَالذِّئْب وَمَا أشبه ذَلِك والعاقل لَا يضيع وقته بِمثلِهِ فان شغل الْوَقْت بأمثاله نوع من المقت
وَمن كتبه كتاب حيل اللُّصُوص فِيهِ الْحِيَل الَّتِي يتوصلون بهَا إِلَى الْفساد يمدحهم بالشطارة وَيَزْعُم أَنَّهَا من موءتهم ويمدحهم باختيارهم الغلمان على النسوان وبأنهم يَلْعَبُونَ بالنرد وَالشطْرَنْج ويحثهم على الْقمَار وَيَزْعُم أَنه من الْمُرُوءَة وَمن الْآدَاب المرضية وَمن عد الدعارة والشطارة من الْمُرُوءَة وزينها وحث عَلَيْهَا فقد خَالف الشَّرِيعَة والمروءة لِأَن الْمُسلمين أطبقوا على أَن من كَانَت هَذِه طَرِيقَته كَانَ مذموما فِي الشَّرِيعَة والمروءة
وَمن كتبه مَا صنفه فِي غش الصناعات أفسد بذلك على المفسدين أَمْوَالهم وحث بذلك النَّاس على الْغِشّ والخيانة وَمن كتبه مَا صنفه فِي وصف الْكلاب والقحاب والمغنين وحيل الماكرين وَلَا يفتخر بِمثل هَذِه الْكتب الا من كَانَ مثله لَا خلاق لَهُ فِي دين وَلَا مُرُوءَة وَكَانَ مَعَ هَذِه الْبدع الْفَاحِشَة الوحشة كريه المنظر حَتَّى قَالَ فِي وَصفه الشَّاعِر
(لَو يمسخ الْخِنْزِير مسخا ثَانِيًا ... مَا كَانَ إِلَّا دون قبح الجاحظ)
(شخص يَنُوب عَن الْجَحِيم بِنَفسِهِ ... وَهُوَ القذى فِي كل طرف لاحظ)
١٤ - الْفرْقَة الرَّابِعَة عشرَة
الشحامية
الشحامية أَتبَاع أبي يَعْقُوب بن الشحام استاذ الجبائي فِي ضَلَالَة الْقَدَرِيَّة وَجوز هُوَ والعلاف مَقْدُورًا بَين قَادِرين كَمَا قَالَه أهل السّنة وَلَكنهُمْ جوزوا انْفِرَاد كل وَاحِد مِنْهُمَا بخلقه بِخِلَاف أهل السّنة وَخلاف قَول أهل الْقدر
١٥ - الْفرْقَة السَّادِسَة عشرَة
الْكَعْبِيَّة
مِنْهُم الْكَعْبِيَّة أَتبَاع عبد الله بن أَحْمد بن مَحْمُود الْبَلْخِي الْمَعْرُوف بِأبي الْقَاسِم الكعبي وَكَانَ يَدعِي فِي كل علم وَلم يكن خلص إِلَى خُلَاصَة شَيْء من الْعُلُوم بل كَانَ متحليا بِطرف من كل شَيْء كَانَ يَدعِي فِيهِ شَيْئا من الْعُلُوم وَخَالف قدرية الْبَصْرَة فِي أَشْيَاء
مِنْهَا قَوْله بِأَن الله تَعَالَى لَا يرى نَفسه وَلَا يرى غَيره
وَمِنْهَا قَوْله ن الله لَا يسمع وَكَانَ يزْعم أَن معنى وَصفه بِأَنَّهُ سميع بَصِير عَالم بالمسموع وبالمرئي
وَمِنْهَا أَنه كَانَ يزْعم أَن الله تَعَالَى لَا ارادة لَهُ وان علمه يُغني عَن ارادته لِأَن معلومه كَانَ لَا محَالة قَصده أَو لم يَقْصِدهُ وَهَذَا القَوْل مِنْهُ يُوجب نفي الْقُدْرَة وَكَونه قَادِرًا إِذْ كَانَ تَقوله فِي نفس الارادة على أَن معلومه كَائِن لَا محَالة وَأَيْضًا فان الشَّاهِد يقْضِي بِخِلَاف مذْهبه وَذَلِكَ أَن الْقَادِر منا قد يقدر على شَيْء باستطاعة عرفية وَلَا يكون مقدوره وَاقعا حَتَّى يقْصد فعله ويريده
وَمِنْهَا انه كَانَ يَقُول بِإِيجَاب الْأَصْلَح للْعَبد على الله تَعَالَى والإيجاب على الله تَعَالَى محَال لِاسْتِحَالَة مُوجب فَوْقه يُوجب عَلَيْهِ شَيْئا
١٧ - الْفرْقَة السَّابِعَة عشرَة
الجبائية
الجبائية أَتبَاع أبي عَليّ الجبائي وَهُوَ الَّذِي أغوى أهل خوزستان وَله من الْبدع الْفَاحِشَة مَا لَا يُحْصى
مِنْهَا أَن شيخ أهل السّنة أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله تَعَالَى سَأَلَهُ يَوْمًا عَن حَقِيقَة الطَّاعَة فَقَالَ هِيَ مُوَافقَة الْإِرَادَة فَقَالَ لَهُ هَذَا يُوجب أَن يكون الله تَعَالَى مُطيعًا لعَبْدِهِ إِذا أعطَاهُ مُرَاده فَقَالَ نعم يكون مُطيعًا وَخَالف الْإِجْمَاع بِإِطْلَاق هَذَا اللَّفْظ لِأَن الْمُسلمين أَجمعُوا قبله على أَن من قَالَ أَن الْبَارِي سُبْحَانَهُ مُطِيع لعَبْدِهِ كَانَ
1 / 80