49
يختلف أثر البرودة عن الحرارة، من الناحية الطبية، فهي التخمة التي تقابل الهضم، وإذا أفرط في استخدامها تسبب ذلك في الفساد كما في حالة أجسام الأموات والشيوخ. وإذا كان من فعل البرودة الفساد، فإن هذا فعلها بالذات، ولكنها بالقصد الثاني تعين الحرارة على الكون، فكل حرارة تناسب جسما معينا بما يخالطها من البرودة، كما أن البرودة تحفظ حرارة الكون.
50 (8) عبد اللطيف البغدادي (القرن 7ه/13م)
سئل العالم عبد اللطيف البغدادي (توفي 628ه/1231م): «ما بال الترويح يبرد الهواء مع أن الحركة من شأنها التسخين؟ فأجاب: «لأن من شأن الجسم الرطب المتخلخل إذا تحرك أو سخن قبل البرد بسرعة، وكذلك الماء المغلي إذا جعل تلقاء الريح والنسيم برد سريعا، والهواء الذي نحن فيه إنما هو بخار رطب، فإذا كان حارا وحرك بالمراوح قبل البرود بسرعة؛ ولذلك إذا كان ريحا سموميا متحركة جدا لم يبرد بالترويح، لاشتمال الحرارة واليبس عليه من سائر جهاته، وصار هذا كهواء الكير إذا حرك بالمنافيخ، فإنه يزداد حرارة والتهابا؛ ولذلك صار الترويح الرويد يبرد أكثر من الترويح بقوة وسرعة؛ لأن الحركة من شأنها أن تسخن بالذات، وإن كانت عند الترويح تبرد بالعرض، فإذا حركت المراوح بسرعة سخن الهواء بقوة الاصطكاك بالذات أكثر مما تبرد، ولأن الحركة القوية من شأنها أن تسخن وتجفف فيصير الهواء في حد طبيعة النار، فإذا حركت المراوح برفق سخن بالحركة يسيرا وبرد بالتخلخل بردا كثيرا، وإذا أفرطت الحركة في السرعة أحدثت النار في الأجسام القابلة للاشتعال، كما يوجد النجار النار بالمثقب، وأهل البادية من الشجر الأخضر، وقد توجد من قوة النفخ كما يفعل الحدادون في الكير.»
51 (9) ابن كمونة (القرن 7ه/13م)
حاول ابن كمونة (توفي 683ه/1285م) أن يفسر سبب إحساسنا بالبرودة، وكيف أن حرارة الشمس تؤثر على الهواء الجوي، ولولا هذا التأثير لأصبحت الأرض كلها باردة.
قال ابن كمونة: «وإذا أحسسنا في الهواء المجاور لأبداننا ببرودة، فذلك لأنه ممتزج بأبخرة اختلطت من الماء المجاور له. ولولا أن الأرض تحمى بالشمس، ويحمى بسببها الهواء المجاور لها، لكان أبرد من هذا، ولكنه يحمي الهواء المجاور للأرض إلى حد ما، فتقل البرودة، فيكون ما فوقه أبرد إلى حد ما، ثم يترقى إلى ما هو حار ولا كالنار. ويحقق برودة الأرض أنها إذا لم تتسخن بالرياح الحارة، ولا بأشعة الشمس والكواكب، ولا بغير ذلك، ظهر منها برد محسوس، وكونها أبرد من الماء، والماء أبرد منها، فمشكوك. ويؤكد كونها أبرد من الماء، أنها أثقل منه، وليس بقطعي ؛ إذ جاز أن يكون لازدياد ثقلها سبب آخر غير شدة البرد. وكون الإحساس ببرودة الماء أكثر لا يدل على أنه في نفس الأمر كذلك، لجواز كون ذلك لفرط وصوله إلى المسام، فإن النار أسخن من النحاس المذاب، مع أن الإحساس بسخونته أشد من الإحساس بسخونة النار.»
52 (10) ابن قيم الجوزية (القرن 8ه/14م)
تناول ابن قيم الجوزية محمد بن أبي بكر (توفي 751ه/1350م) في كتابه «مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة» الحديث عن التدرج في الانتقال من الفصل البارد إلى الفصل الحار في أثناء السنة، ولو لم يكن متدرجا لأضر بالخلائق، ثم يضرب مثالا على ذلك أن يخرج رجل من الحمام وجسده ساخن جدا ليدخل مكانا مفرطا في البرودة؛ عندها سيتأذى جسده كثيرا.
قال ابن قيم: «ثم تأمل هذه الحكمة البالغة في الحر والبرد وقيام الحيوان والنبات عليهما، وفكر في دخول أحدهما على الآخر بالتدريج والمهلة حتى يبلغ نهايته، ولو دخل عليه مفاجأة لأضر ذلك بالأبدان وأهلكها وبالنبات، كما لو خرج الرجل من حمام مفرط الحرارة الى مكان مفرط في البرودة، ولولا العناية والحكمة والرحمة والإحسان لما كان ذلك.»
Shafi da ba'a sani ba