ثم يضع النيسابوري فرضا آخر لتصدع الوعاء، هو حصول تداخل بين أجزاء الطين وأجزاء الماء، فعندما يحدث تجمد للماء فإنه يتقلص وحالة من التوتر والتدافع بين هذه الأجزاء تؤدي في النهاية إلى التصدع.
قال النيسابوري: «ويمكن أن يقال إنه إنما ينشق لأن الماء يتداخل فيما بين أجزاء الطين فتلتزق أجزاء الماء بأجزاء الطين، فإذا جمد الماء - وقد تشبث بأجزاء الطين - فقد يحصل هناك انقباض وتشنيج بأن تتدافع بعض الأجزاء إلى البعض عند الجمود، فيحصل هناك تفريق وانشقاق.»
77
والدليل على صحة فرضيته السابقة ما نراه من تشقق في الطين عندما يجف في الأراضي الزراعية. «وهذا ظاهر بين في الطين الرطب إذا جف ويبس، فإنه ينشق لما يحصل هناك من الانقباض والانزواء. ولأجل أن الماء إذا تداخل بين أجزاء الطين، وهي تراكيب أجزاء الجرة، فإذا ضرب الهواء عليها فرقها، وهذا ظاهر أيضا فيما نشاهده من الأجسام مما يحصل فيها من الانشقاق عند ضرب الهواء البارد عليها، فيجوز أن يكون كل واحد من هذه الأشياء علة، ويجوز أن تكون العلة واحدة منها، ويجوز أن تكون العلة في بعض المواضع كذا وفي بعضها كذا، والله المستأثر بعلم ذلك.»
78
وقد طرح سؤال آخر: «قالوا قدر عرفنا أن جرة لو كان فيها ماء ثم جمد الماء كله لكانت الجرة تنكسر وتنشق، وإنما تنكسر لأجل أن الماء بالجمود تنقبض أجزاؤه؛ فلو لم تنكسر الجرة لكان هناك خلل لأنه قد لا يحصل عند جمود الماء فيه هواء، غير أنه لما لم يجز الخلل انكسرت الجرة عند جمود الماء فيه.»
79
فأجابهم النيسابوري مؤكدا أن السبب الرئيس لتصدع الوعاء هو ازدياد ثقله بعد تجمده وتأثيره في نقطة محددة منه تكون بداية التصدع، لكن هذا التأثير يتلاشى عندما يكون الوعاء ثخينا ومادته صلبة متماسكة. «اعلم أن انقباض أجزاء الماء عند الجمود لا يصح على قولهم؛ لأن الماء إذا لم يكن جامدا لا تتخلل أجزاؤه أماكن فارغة كما لا تتخلل إذا جمد، فعلى أي وجه يكون منقبضا؟ فإن قالوا بأن يصير أقل مما كان فقد أبطلناه فيما تقدم، ثم يقال لهم ليست العلة في انكسار الجرة ما ذكرتموه، بل لأجل أن الهواء إذا برد فإنه يكون كثير الاعتماد لأنه يكون كثير الحركة، ويتبين ذلك من حاله فيؤثر في ذلك الكسر بما فيه من الاعتماد مع ما يحصل في الماء من الثقل والاعتماد على موضع منه عند اجتماع أجزائه بالجمود، فيكون التأثير أكثر من أن تكون أجزاء منبسطة، وأن يكون ما فيه من الثقل كالمنقسم على كل الجرة؛ فلذلك يؤثر في انكسار ذلك الموضع، ولو كان الأمر على ما ذكره لكان لا فرق بين الحديد والزجاج في الانكسار إذا جمد فيه الماء كله، ومعلوم أن الآنية إذا كانت شديدة الصلابة وكانت ثخينة غليظة فإنها لا تنكسر، وإن جمد الماء فيها فقد بان أن يكون دلالة على جواز الخلاء أولى.»
80 (10) مؤيد الدين الطغرائي (القرن 6ه/12م)
قد يكون غريبا أن يأخذ الكيميائي مؤيد الدين الطغرائي (توفي 513ه/1119م) بنظرية أرسطو في تعاطيه مع ظاهرتي الحرارة والبرودة، مع أنه يعتمد على الأسس العلمية التي وضعها جابر قبل ذلك بنحو 300 سنة.
Shafi da ba'a sani ba